الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 409 ] 652 - باب بيان مشكل ما روي في خروج المصلي خلف معاذ بن جبل إلى صلاة نفسه هل كان بتكبير مستأنف أو ببناء على دخوله كان مع معاذ .

4215 - حدثنا المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، عن سفيان بن عيينة وحدثنا بكار بن قتيبة حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء أو قال: العتمة ، ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة ، فأخر النبي عليه السلام صلاة العشاء أو قال العتمة ذات ليلة فصلى معاذ معه ، ثم رجع فأم قومه وقرأ سورة البقرة فتنحى رجل من خلفه ، فقيل له : أنافقت ؟ قال : لا ولكني آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله إنك أخرت العشاء الآخرة وإن معاذا صلى معك ، ثم رجع فأمنا فافتتح سورة البقرة فلما رأيت ذلك تأخرت فصليت وإنما نحن أصحاب نواضح نعمل بأيدينا ، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال : أفتان أنت يا معاذ أفتان أنت يا معاذ ! اقرأ سورة كذا وسورة كذا .

[ ص: 410 ] [ ص: 411 ]

4216 - حدثنا المزني حدثنا الشافعي ، عن سفيان وحدثنا بكار حدثنا إبراهيم حدثنا سفيان ، عن أبي الزبير .

عن جابر مثله وزاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : اقرأ سبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى والسماء والطارق ونحوها ، قال سفيان فقلت لعمرو بن دينار : إن أبا الزبير يقول : وقال : اقرأ بـ سبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى والسماء والطارق قال : فقال عمرو : هو هذا أو نحو هذا .

فقال قائل : هذا يدل على أن هذا الرجل خرج من صلاة معاذ إلى صلاة نفسه بغير استئناف تكبير .

وفي هذا الباب أيضا حديث آخر ، عن جابر سوى حديث عمرو وأبي الزبير عنه .

4217 - وهو ما قد حدثنا بكار بن قتيبة حدثنا أبو داود صاحب الطيالسة حدثنا طالب بن حبيب بن عمرو بن سهل الأنصاري يقال له ابن الضجيع ضجيع حمزة ، عن عبد الرحمن بن جابر .

[ ص: 412 ] عن جابر قال : مر حزم بن أبي بن كعب بمعاذ بن جبل وهو يصلي صلاة المغرب بقومه ، فافتتح سورة طويلة ومع حزم ناضح له ، فتأخر فصلى ، فأحسن الصلاة ، ثم أتى ناضحه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ، فقالوا : يا رسول الله إنه لمن صالح من هو منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ : لا تكونن فتانا - قالها ثلاثا - إنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمعتل .

فكان ما قال هذا القائل مما ذكرناه عنه لا حقيقة معه فيه ; لأنه قد يحتمل أن يكون ذلك الرجل دخل في صلاة نفسه بتكبير استأنفه لنفسه ، والله أعلم بحقيقة ما كان الأمر عليه في ذلك .

فقال هذا القائل : فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته بالناس صلاة الخوف في يوم ذات الرقاع ما قد دل على مثل هذا أيضا .

4218 - وذكر ما قد حدثنا يونس ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، أن مالكا أخبره . وما قد حدثنا المزني ، حدثنا الشافعي ، عن مالك بن أنس ، عن يزيد بن رومان ، عن صالح بن خوات

عن من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه ، وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ، [ ص: 413 ] ثم ثبت قائما ، وأتموا لأنفسهم ، ثم انصرفوا ، فصفوا وجاه العدو ، وجاءت الطائفة الأخرى ، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ، ثم ثبت جالسا ، وأتموا لأنفسهم ، ثم سلم بهم .

4219 - وما قد حدثنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي ، حدثنا عبدان بن عثمان بن جبلة ، حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن القاسم ، عن القاسم بن محمد ، عن صالح بن خوات .

[ ص: 414 ] عن سهل بن أبي حثمة - قال شعبة : رفعه عبد الرحمن ولم يرفعه يحيى بن سعيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام صف خلفه ، وصف حيال العدو ، فصلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين ، ثم قام حتى صلوا ركعة إلى ركعتهم ، ثم ذهب هؤلاء إلى مكان الآخرين ، وجاء الآخرون إلى مكان هؤلاء ، فصلى ركعة وسجدتين ، ثم جلس حتى صلوا ركعة أخرى ، ثم سلم عليهم .

قال : ففي هذا الحديث أن الطائفة الأولى التي كانت دخلت مع النبي عليه السلام في أول صلاته قد كانت خرجت من الائتمام به إلى صلاة أنفسهم ، فصلوها قبل أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان في ذلك ما قد دل على جواز خروج المأموم من صلاة إمامه إلى صلاة نفسه .

فكان جوابنا له في ذلك أن هذه الصلاة التي قد رويت في هذا الحديث أنها كانت يوم ذات الرقاع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبمعاينته ما كان من القوم فيها ، ومن تركه التكبير في ذلك عليهم قد روي أنها قد كانت يومئذ بخلاف ما في هذا الحديث .

4220 - كما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا أبو سلمة [ ص: 415 ] موسى بن إسماعيل المنقري ، حدثنا أبان بن يزيد العطار ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة .

عن جابر بن عبد الله ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع ، فأقيمت الصلاة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين ، وتأخروا ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائفة الأخرى ، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات ، وللقوم ركعتان .

وهذا خلاف ما في حديث يزيد بن رومان ، والقاسم بن محمد ، عن صالح بن خوات وإذا تكافأت الروايتان في ذلك ، ارتفعتا ، وإذا ارتفعتا كان لا حجة في واحدة منهما لمن احتج بها على مخالفه ، إذ كان لمخالفه أن يحتج عليه بالأخرى منهما ، وإذا كان ذلك كذلك ، لم يكن في شيء مما رويناه في هذا الباب ما يدل على أنه يكون لأحد أن يخرج عن صلاة إمامه إلى صلاة نفسه بغير تكبير يستأنفه لها .

وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية