الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في أم الولد تجرح رجلا بعد رجل قلت : أرأيت لو أن رجلا قتلت أم ولده رجلا خطأ فلم يدفع قيمتها حتى قتلت رجلا آخر خطأ ؟

                                                                                                                                                                                      قال : يدفع قيمتها فيكون ذلك بينهما نصفين ، وهذا قول مالك فيما بلغني .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن كان دفع قيمتها ثم قتلت آخر خطأ ؟

                                                                                                                                                                                      قال : يخرج قيمتها ثانية فيدفعها [ ص: 597 ] إلى أولياء المقتول الثاني في قول مالك . وأصل هذا أنها إذا جنت جناية فأخرج السيد قيمتها ، ثم جنت بعد ذلك أيضا ، إن على السيد أن يخرج قيمتها ثانية ، بمنزلة العبد إذا جنى ثم يفتكه سيده بالدية ثم جنى بعد ذلك ، إنه يقال للسيد : ادفع أو افد . فكذلك أم الولد إذا قتلت قتيلا بعدما أخرج سيدها قيمتها ، أنه يقال للسيد : أخرج قيمتها . إلا أن يكون عقل الجناية أقل من قيمتها ، فعليه الأقل من قيمتها أو الجناية ، وهو قول مالك .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن هي جنت جناية فلم يخرج سيدها قيمتها حتى جنت بعد ذلك فقام عليها أحدهما ، ولم يقم الآخر - كان غائبا - أيجبر السيد على أن يدفع القيمة أو الأقل من الجناية إلى هذا الذي قام على جنايته ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا ، ولكن يضرب لهذا الحاضر في ذلك بقدر جنايته في قيمتها ، لأن مالكا قال : إذا جنت ثم جنت قبل أن يخرج سيدها قيمتها اشترك في قيمتها كل من جنت عليه .

                                                                                                                                                                                      قلت : كيف يضربون في ذلك ، أبقدر جناية كل واحد منهم في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      قال ابن وهب : وقال ربيعة في أم الولد تجرح الحر ، أيفديها سيدها ، وتكون عنده على هيئتها ؟

                                                                                                                                                                                      قال ابن وهب : وسمعت رجالا من أهل العلم يقولون ذلك ابن وهب : وقال مالك : الأمر عندنا في أم الولد ، أنها إذا جنت جناية ضمن سيدها ما بينها وبين قيمتها ، وليس له أن يسلمها وليس عليه أن يحمل من جنايتها أكثر من قيمتها .

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : فهذا أحسن ما سمعت .

                                                                                                                                                                                      قال ابن وهب : قال مالك : وذلك أن رب العبد أو الوليدة إذا أسلم وليدته أو غلامه بجرح أصابه واحد منهما ، فليس عليه أكثر من ذلك . وإن كثر العقل فإذا لم يستطع سيد أم الولد أن يسلمها ; لما مضى في ذلك من السنة ، فإنه إذا أخرج قيمتها فكأنه قد أسلمها وليس عليه أكثر من ذلك ابن وهب : قال مالك : وعقل جراح أم الولد لسيدها .

                                                                                                                                                                                      قلت لابن القاسم : فإن جنت على رجل جناية أقل من قيمتها ، ثم جنت على آخر أكثر من قيمتها قيل للسيد : أخرج قيمتها ، فإذا أخرج ذلك اشتركا في ذلك ، كل واحد منهما بقدر جنايته ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم وهو قول مالك .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية