الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 416 ] 653 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبب الذي من أجله صلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حجه بالناس بمنى أربعا

4221 - حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق الهلالي ، حدثنا عكرمة بن إبراهيم الأزدي الموصلي ، حدثنا عبد الله بن الحارث بن أبي ذباب ، عن أبيه

عن عثمان بن عفان أنه صلى بأهل منى أربع ركعات ، فلما سلم أقبل إليهم ، فقال : إني تأهلت بمكة ، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من تأهل في بلدة ، فهو من أهلها ، فليصل أربعا ، فلذلك صليت أربعا .

4222 - حدثنا إسماعيل بن حمدويه ، حدثنا الحميدي ، حدثنا [ ص: 417 ] عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم ، قال : حدثني عكرمة بن إبراهيم ، عن ابن أبي ذباب ، عن أبيه .

عن عثمان بن عفان أنه صلى بأهل منى أربعا ، فأنكر الناس ذلك عليه ، فقال : يا أيها الناس إني لما قدمت مكة ، تأهلت بها ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا تأهل الرجل ببلدة ، فليصل صلاة المقيم .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث ما قد دل على ما يقوله أبو حنيفة وأصحابه والشافعي أن الإمام إذا كان من أهل مكة ، ومن كان من أهلها من الحاج فلا يقصرون الصلاة بمنى ; لأنهم في سفر دون السفر الذي تقصر في مثله الصلاة ، وقد تقدمهم في هذا القول عطاء ومجاهد ، وهما إماما الناس في الحج .

حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عثمان بن الأسود ، عن عطاء ومجاهد قالا : ليس على أهل مكة قصر في الحج .

والقياس يوجب هذا أيضا ; لأن قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما للصلاة بالناس بمنى في حجهم لا يخلو من معنى من ثلاثة معان : أن يكون السفر الذي كانوا فيه مما تقصر في [ ص: 418 ] مثله الصلاة أو يكون كان للحج الذي كانوا فيه أو يكون كان للموطن الذي كانوا به ، لا وجه له في ذلك غير هذه الثلاثة الأوجه اللاتي ذكرنا فاعتبرنا ذلك هل كان ذلك القصر للموطن فوجدنا أهل العلم جميعا لا يختلفون أن من لم يكن حاجا أنه لا يقصر الصلاة في ذلك الموطن فعقلنا بذلك أن القصر الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صاحبيه في تلك الصلاة لم يكن للموطن ، ثم رجعنا إلى ذلك القصر هل كان للحج فوجدناهم جميعا لا يختلفون أن الحاج من أهل منى لا يقصرون تلك الصلاة بمنى ، فعقلنا بذلك أن ذلك القصر المتقدم لم يكن للحج الذي كانوا فيه .

ولما انتفى هذان المعنيان وخرجا أن يكون التقصير الذي كان في تلك الصلاة لواحد منهما ولم يبق إلا الوجه الآخر وهو السفر عقلنا بذلك أن التقصير الذي كان في تلك الصلاة كان للسفر لا لما سواه ، وكذلك كان مالك رحمه الله يقول في الحاج من أهل منى : إنهم لا يقصرون الصلاة بها وإن أهل مكة وأهل عرفة يقصرون الصلاة بها وإن أهل منى يقصرون الصلاة بعرفة وإذا انتفى أن تكون الصلاة قصرها من قصرها لا للسفر انتفى بذلك قول من قال إن غير المسافر يقصرها بمنى حاجا أو غير حاج .

ثم نظرنا في الحارث بن أبي ذباب الذي رجع إليه هذا الحديث هل في سنه ما يدل أن يكون ما حدث به ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه فيه سماعا .

فوجدنا إبراهيم بن أبي داود قد حدثنا ، قال : حدثنا ابن إسحاق [ ص: 419 ] .

عن يعقوب بن عتبة ، عن يزيد بن هرمز .

عن الحارث بن أبي ذباب الدوسي قال : لما كان عام الرمادة أخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصدقة حتى إذا أحيا الناس من العام المقبل بعث إليهم مصدقين وبعثني فيهم فقال : خذ منهم العقالين العقال الذي أخرنا عنهم والعقال الذي حل عليهم ، ثم اقسم عليهم أحد العقالين ، ثم احدر لي الآخر قال فعقلت .

فعقلنا بذلك أن في سنه فوق ما طلبنا فيها لأنه إذا كان من ولاة عمر كان في وقت عثمان فوق كثير ممن حدث عن عثمان في الأسنان ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية