الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بلل ]

                                                          بلل : البلل : الندى . ابن سيده : البلل والبلة الندوة ، قال بعض الأغفال :


                                                          وقطقط البلة في شعيري .



                                                          أراد : وبلة القطقط فقلب . والبلال : كالبلة ، وبله بالماء وغيره يبله بلا وبلة وبلله فابتل وتبلل ; قال ذو الرمة :


                                                          وما شنتا خرقاء واهية الكلى     سقى بهما ساق ولما تبللا .



                                                          والبل : مصدر بللت الشيء أبله بلا . الجوهري : بله يبله أي نداه وبلله ، شدد للمبالغة فابتل . والبلال : الماء . والبلالة : البلل . والبلال : جمع بلة نادر . واسقه على بلته أي ابتلاله . وبلة الشباب وبلته : طراؤه ، والفتح أعلى . والبليل والبليلة : ريح باردة مع ندى ، ولا تجمع . قال أبو حنيفة : إذا جاءت الريح مع برد ويبس وندى فهي بليل ، وقد بلت تبل بلولا ، فأما قول زياد الأعجم :


                                                          إني رأيت عداتكم     كالغيث ، ليس له بليل .



                                                          فمعناه أنه ليس لها مطل فيكدرها ، كما أن الغيث إذا كانت معه ريح بليل كدرته . أبو عمرو : البليلة الريح الممغرة ، وهي التي تمزجها المغرة ، والمغرة المطرة الضعيفة ، والجنوب أبل الرياح . وريح بلة أي فيها بلل . وفي حديث المغيرة : بليلة الإرعاد ، أي لا تزال ترعد وتهدد ، والبليلة : الريح فيها ندى ، جعل الإرعاد مثلا للوعيد والتهديد من قولهم أرعد الرجل وأبرق إذا تهدد وأوعد ، والله أعلم . ويقال : ما في سقائك بلال ، أي ماء . وكل ما يبل به الحلق من الماء واللبن بلال ، ومنه قولهم : انضحوا الرحم ببلالها ، أي صلوها بصلتها وندوها ، قال أوس يهجو الحكم بن مروان بن زنباع :


                                                          كأني حلوت الشعر حين مدحته     صفا صخرة صماء يبس بلالها .



                                                          وبل رحمه يبلها بلا وبلالا : وصلها . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : " بلوا أرحامكم ولو بالسلام " أي ندوها بالصلة ، قال ابن الأثير : وهم يطلقون النداوة على الصلة كما يطلقون اليبس على القطيعة ، لأنهم لما رأوا بعض الأشياء يتصل ويختلط بالنداوة ، ويحصل بينهما التجافي والتفرق باليبس ، استعاروا البل لمعنى الوصل واليبس لمعنى القطيعة ، ومنه الحديث : فإن لكم رحما سأبلها ببلالها ، أي أصلكم في الدنيا ولا أغني عنكم من الله شيئا ، والبلال : جمع بلل ، وقيل : هو كل ما بل الحلق من ماء أو لبن أو غيره ، ومنه حديث طهفة : ما تبض ببلال أراد به اللبن ، وقيل المطر ، ومنه حديث عمر - رضي الله عنه - : إن رأيت بللا من عيش أي خصبا لأنه يكون من الماء . أبو عمرو وغيره : بللت رحمي أبلها بلا وبلالا وصلتها ونديتها ; قال الأعشى :


                                                          إما لطالب نعمة تممتها     ووصال رحم قد بردت بلالها .



                                                          وقول الشاعر :


                                                          والرحم فابللها بخير البلان     فإنها اشتقت من اسم الرحمن .



                                                          قال ابن سيده : يجوز أن يكون البلان اسما واحدا كالغفران والرجحان ، وأن يكون جمع بلل الذي هو المصدر ، وإن شئت جعلته [ ص: 146 ] المصدر لأن بعض المصادر قد يجمع كالشغل والعقل والمرض ويقال : ما في سقائك بلال أي ماء ، وما في الركية بلال . ابن الأعرابي : البلبلة الهودج للحرائر وهي المشجرة . ابن الأعرابي : التبلل الدوام وطول المكث في كل شيء ، قال الربيع بن ضبع الفزاري :


                                                          ألا أيها الباغي الذي طال طيله     وتبلاله في الأرض حتى تعودا .



                                                          وبلك الله ابنا وبلك بابن بلا أي رزقك ابنا ، يدعو له ، والبلة : الخير والرزق . والبل : الشفاء . ويقال : ما قدم بهلة ولا بلة ، وجاءنا فلان فلم يأتنا بهلة ولا بلة ، قال ابن السكيت : فالهلة من الفرح والاستهلال ، والبلة من البلل والخير . وقولهم : ما أصاب هلة ولا بلة ، أي شيئا . وفي الحديث : من قدر في معيشته بله الله ، أي أغناه . وبلة اللسان : وقوعه على مواضع الحروف واستمراره على المنطق ، تقول : ما أحسن بلة لسانه وما يقع لسانه إلا على بلته ; وأنشد أبو العباس عن ابن الأعرابي :


                                                          ينقرن بالحيحاء شاء صعائد     ومن جانب الوادي الحمام المبللا .



                                                          وقال : المبلل الدائم الهدير ، وقال ابن سيده : ما أحسن بلة لسانه أي طوعه بالعبارة وإسماحه وسلاسته ووقوعه على موضع الحروف . وبل يبل بلولا وأبل : نجا ، حكاه ثعلب ; وأنشد :


                                                          من صقع باز لا تبل لحمه .



                                                          لحمة البازي : الطائر يطرح له أو يصيده . وبل من مرضه يبل بلا وبللا وبلولا واستبل وأبل : برأ وصح ، قال الشاعر :


                                                          إذا بل من داء به ، خال أنه     نجا ، وبه الداء الذي هو قاتله .



                                                          يعني الهرم ، وقال الشاعر يصف عجوزا :


                                                          صمحمحة لا تشتكي الدهر رأسها     ولو نكزتها حية لأبلت .



                                                          الكسائي والأصمعي : بللت وأبللت من المرض ، بفتح اللام ، من بللت والبلة : العافية . وابتل وتبلل : حسنت حاله بعد الهزال . والبل : المباح ، وقالوا : هو لك حل وبل ، فبل شفاء من قولهم بل فلان من مرضه وأبل إذا برأ ، ويقال : بل مباح مطلق ، يمانية حميرية ، ويقال : بل إتباع لحل ، وكذلك يقال للمؤنث : هي لك حل على لفظ المذكر ، ومنه قول عبد المطلب في زمزم : لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل ، وهذا القول نسبه الجوهري للعباس بن عبد المطلب ، والصحيح أن قائله عبد المطلب كما ذكره ابن سيده وغيره ، وحكاه ابن بري عن علي بن حمزة ، وحكي أيضا عن الزبير بن بكار : أن زمزم لما حفرت وأدرك منها عبد المطلب ما أدرك ، بنى عليها حوضا وملأه من ماء زمزم وشرب منه الحاج فحسده قوم من قريش فهدموه فأصلحه فهدموه بالليل ، فلما أصبح أصلحه ، فلما طال عليه ذلك دعا ربه فأري في المنام أن يقول : اللهم إني لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل فإنك تكفى أمرهم ، فلما أصبح عبد المطلب نادى بالذي رأى فلم يكن أحد من قريش يقرب حوضه إلا رمي في بدنه فتركوا حوضه ، قال الأصمعي : كنت أرى أن بلا إتباع لحل حتى زعم المعتمر بن سليمان أن بلا مباح في لغة حمير ، وقال أبو عبيد وابن السكيت : لا يكون بل إتباعا لحل لمكان الواو . والبلة ، بالضم : ابتلال الرطب . وبلة الأوابل : بلة الرطب . وذهبت بلة الأوابل أي ذهب ابتلال الرطب عنها ; وأنشد لإهاب بن عمير :


                                                          حتى إذا أهرأن بالأصائل     وفارقتها بلة الأوابل .



                                                          يقول : سرن في برد الروائح إلى الماء بعدما يبس الكلأ ، والأوابل : الوحوش التي اجتزأت بالرطب عن الماء . الفراء : البلة بقية الكلإ . وطويت الثوب على بللته وبلته وبلالته أي على رطوبته . ويقال : اطو السقاء على بللته ، أي اطوه وهو ندي قبل أن يتكسر . ويقال : ألم أطوك على بللتك وبلتك أي على ما كان فيك ; وأنشد لحضرمي بن عامر الأسدي :


                                                          ولقد طويتكم على بللاتكم     وعلمت ما فيكم من الأذراب .



                                                          أي طويتكم على ما فيكم من أذى وعداوة . وبللات ، بضم اللام : جمع بللة ، بضم اللام أيضا ، وقد روي على بللاتكم ، بفتح اللام ، والواحدة بللة ، بفتح اللام أيضا ، وقيل في قوله على بللاتكم : يضرب مثلا لإبقاء المودة وإخفاء ما أظهروه من جفائهم ، فيكون مثل قولهم : اطو الثوب على غره ليضم بعضه إلى بعض ولا يتباين ، ومنه قولهم : اطو السقاء على بللته لأنه إذا طوي وهو جاف تكسر ، وإذا طوي على بلله لم يتكسر ولم يتباين ، وانصرف القوم ببللتهم وبللتهم وبلولتهم أي وفيهم بقية ، وقيل : انصرفوا ببللتهم أي بحال صالحة وخير ، ومنه بلال الرحم وبللته : أعطيته . ابن سيده : طواه على بللته وبلولته وبلته ، أي على ما فيه من العيب ، وقيل : على بقية وده ، قال : وهو الصحيح ، وقيل : تغافلت عما فيه من عيب كما يطوى السقاء على عيبه ; وأنشد :


                                                          وألبس المرء أستبقي بلولته     طي الرداء على أثنائه الخرق .



                                                          قال : وتميم تقول البلولة من بلة الثرى ، وأسد تقول : البللة . وقال الليث : البلل والبلة الدون . الجوهري : طويت فلانا على بلته وبلالته وبلوله وبلولته وبللته وبللته إذا احتملته على ما فيه من الإساءة والعيب وداريته وفيه بقية من الود ، قال الشاعر :


                                                          طوينا بني بشر على بللاتهم     وذلك خير من لقاء بني بشر .



                                                          يعني باللقاء الحرب ، وجمع البلة بلال مثل برمة وبرام ; قال الراجز :


                                                          وصاحب مرامق داجيته     على بلال نفسه طويته .



                                                          وكتب عمر يستحضر المغيرة من البصرة : يمهل ثلاثا ثم يحضر على بلته ، أي على ما فيه من الإساءة والعيب ، وهي بضم الباء . وبللت به [ ص: 147 ] بللا : ظفرت به . وقيل : بللت أبل ظفرت به ، حكاها الأزهري عن الأصمعي وحده . قال شمر : ومن أمثالهم : ما بللت من فلان بأفوق ناصل أي ما ظفرت ، والأفوق : السهم الذي انكسر فوقه ، والناصل : الذي سقط نصله ، يضرب مثلا للرجل المجزئ الكافي أي ظفرت برجل كامل غير مضيع ولا ناقص . وبللت به بللا : صليت وشقيت . وبللت به بللا وبلالة وبلولا وبللت : منيت به وعلقته . وبللته : لزمته ; قال :


                                                          دلو تمأى دبغت بالحلب     بلت بكفي عزب مشذب
                                                          فلا تقعسرها ولكن صوب .



                                                          تقعسرها أي تعازها . أبو عمرو : بل يبل إذا لزم إنسانا ودام على صحبته ، وبل يبل مثلها ; ومنه قول ابن أحمر :


                                                          فبلي إن بللت بأريحي     من الفتيان لا يمشي بطينا .



                                                          ويروى فبلي يا غني ، الجوهري : بللت به ، بالكسر ، إذا ظفرت به وصار في يدك ; وأنشد ابن بري :


                                                          بيضاء تمشي مشية الرهيص     بل بها أحمر ذو دريص .



                                                          يقال : لئن بلت يدي لا تفارقني أو تؤدي حقي . النضر : البذر والبلل واحد ، يقال : بلوا الأرض إذا بذروها بالبلل . ورجل بل بالشيء : لهج ; قال :


                                                          وإني لبل بالقرينة ما ارعوت     وإني إذا صرمتها لصروم .



                                                          ولا تبلك عندي بالة ، وبلال مثل قطام أي لا يصيبك مني خير ولا ندى ولا أنفعك ولا أصدقك . ويقال : لا تبل لفلان عندي بالة وبلال مصروف عن بالة أي ندى وخير ، وفي كلام علي - كرم الله وجهه - : فإن شكوا انقطاع شرب أو بالة ، هو من ذلك ، قالت ليلى الأخيلية :


                                                          نسيت وصاله وصدرت عنه     كما صدر الأزب عن الظلال
                                                          فلا وأبيك ، يا ابن أبي عقيل     تبلك بعدها فينا بلال
                                                          فلو آسيته لخلاك ذم     وفارقك ابن عمك غير قالي .



                                                          ابن أبي عقيل كان مع توبة حين قتل ففر عنه وهو ابن عمه . والبلة : الغنى بعد الفقر . وبلت مطيته على وجهها إذا همت ضالة ; وقالكثير :


                                                          فليت قلوصي ، عند عزة ، قيدت     بحبل ضعيف غر منها فضلت
                                                          فأصبح في القوم المقيمين رحلها     وكان لها باغ سواي فبلت .



                                                          وأبل الرجل : ذهب في الأرض . وأبل : أعيا فسادا وخبثا . والأبل الشديد الخصومة الجدل ، وقيل : هو الذي لا يستحي ، وقيل : هو الشديد اللؤم الذي لا يدرك ما عنده ، وقيل : هو المطول الذي يمنع بالحلف من حقوق الناس ما عنده ; وأنشد ابن الأعرابي للمرار بن سعيد الأسدي :


                                                          ذكرنا الديون ، فجادلتنا     جدالك في الدين بلا حلوفا .



                                                          وقال الأصمعي : أبل الرجل يبل إبلالا إذا امتنع وغلب . قال : وإذا كان الرجل حلافا قيل : رجل أبل ; وقال الشاعر :


                                                          ألا تتقون الله يا آل عامر ؟     وهل يتقي الله الأبل المصمم ؟



                                                          وقيل : الأبل الفاجر ، والأنثى بلاء ، وقد بل بللا في كل ذلك ، عن ثعلب . الكسائي : رجل أبل وامرأة بلاء وهو الذي لا يدرك ما عنده من اللؤم ، ورجل أبل بين البلل إذا كان حلافا ظلوما . وأما قول خالد بن الوليد : أما وابن الخطاب حي فلا ولكن إذا كان الناس بذي بلي وذي بلى ، قال أبو عبيد : يريد تفرق الناس وأن يكونوا طوائف وفرقا من غير إمام يجمعهم وبعد بعضهم من بعض ، وكل من بعد عنك حتى لا تعرف موضعه ، فهو بذي بلي ، وهو من بل في الأرض أي ذهب ، أراد ضياع أمور الناس بعده ، قال : وفيه لغة أخرى بذي بليان ، وهو فعليان مثل صليان ; وأنشد الكسائي :


                                                          ينام ويذهب الأقوام حتى     يقال : أتوا على ذي بليان .



                                                          يقول : إنه أطال النوم ومضى أصحابه في سفرهم حتى صاروا إلى موضع لا يعرف مكانهم من طول نومه . وأبل عليه : غلبه ; قال ساعدة :


                                                          ألا يا فتى ، ما عبد شمس ! بمثله     يبل على العادي وتؤبى المخاسف .



                                                          الباء في بمثله متعلقة بقوله يبل ، وقوله ما عبد شمس تعظيم ، كقولك : سبحان الله ما هو ومن هو ، لا تريد الاستفهام عن ذاته - تعالى - إنما هو تعظيم وتفخيم . وخصم مبل : ثبت . أبو عبيد : المبل الذي يعينك أي يتابعك على ما تريد ; وأنشد :


                                                          أبل فما يزداد إلا حماقة ونوكا     وإن كانت كثيرا مخارجه .



                                                          وصفاة بلاء أي ملساء . ورجل بل وأبل : مطول ، عن ابن الأعرابي ; وأنشد :


                                                          جدالك مالا وبلا حلوفا .



                                                          والبلة : نور السمر والعرفط . وفي حديث عثمان : ألست ترعى بلتها ؟ البلة : نور العضاه قبل أن ينعقد . التهذيب : البلة والفتلة نور برمة السمر ، قال : وأول ما يخرج البرمة ثم أول ما يخرج من بدو الحبلة كعبورة نحو بدو البسرة فتيك البرمة ، ثم ينبت فيها زغب بيض هو نورتها ، فإذا أخرجت تيك سميت البلة والفتلة ، فإذا سقطن عن طرف العود الذي ينبتن فيه نبتت فيه الخلبة في طرف عودهن وسقطن ، والخلبة وعاء الحب كأنها وعاء الباقلاء ، ولا تكون الخلبة إلا [ ص: 148 ] للسمر والسلم ، وفيها الحب وهن عراض كأنهن نصال ، ثم الطلح فإن وعاء ثمرته للغلف وهي سنفة عراض . وبلال : اسم رجل : وبلال بن حمامة : مؤذن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحبشة . وبلال آباد : موضع . التهذيب : والبلبل العندليب . ابن سيده : البلبل طائر حسن الصوت يألف الحرم ويدعوه أهل الحجاز النغر . والبلبل : قناة الكوز الذي فيه بلبل إلى جنب رأسه . التهذيب : البلبلة ضرب من الكيزان في جنبه بلبل ينصب منه الماء . وبلبل متاعه : إذا فرقه وبدده . والمبلل : الطاووس الصراخ والبلبل الكعيت . والبلبلة : تفريق الآراء . وتبلبلت الألسن : اختلطت . والبلبلة : اختلاط الألسنة . التهذيب : البلبلة بلبلة الألسن ، وقيل : سميت أرض بابل لأن الله - تعالى - حين أراد أن يخالف بين ألسنة بني آدم بعث ريحا فحشرهم من كل أفق إلى بابل فبلبل الله بها ألسنتهم ، ثم فرقتهم تلك الريح في البلاد . والبلبلة والبلابل والبلبال : شدة الهم والوسواس في الصدور وحديث النفس ، فأما البلبال ، بالكسر ، فمصدر . وفي حديث سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أمتي أمة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة ، إنما عذابها في الدنيا البلابل والزلازل والفتن " ، قال ابن الأنباري : البلابل وسواس الصدر ; وأنشد ابن بري لباعث بن صريم ويقال أبو الأسود الأسدي :


                                                          سائل بيشكر هل ثأرت بمالك     أم هل شفيت النفس من بلبالها ؟



                                                          ويروى :


                                                          سائل أسيد هل ثأرت بوائل ؟



                                                          ووائل : أخو باعث بن صريم . وبلبل القوم بلبلة وبلبالا : حركهم وهيجهم ، والاسم البلبال ، وجمعه البلابل . والبلبال : البرحاء في الصدر ، وكذلك البلبالة ، عن ابن جني ; وأنشد :


                                                          فبات منه القلب في بلباله     ينزو كنزو الظبي في الحباله .



                                                          ورجل بلبل وبلابل : خفيف في السفر معوان ، قال أبو الهيثم : قال لي أبو ليلى الأعرابي : أنت قلقل بلبل ، أي ظريف خفيف . ورجل بلابل : خفيف اليدين وهو لا يخفى عليه شيء . والبلبل من الرجال : الخفيف ; قال كثير بن مزرد :


                                                          ستدرك ما تحمي الحمارة وابنها     قلائص رسلات ، وشعث بلابل .



                                                          والحمارة : اسم حرة وابنها الجبل الذي يجاورها ، أي ستدرك هذه القلائص ما منعته هذه الحرة وابنها . والبلبول : الغلام الذكي الكيس . وقال ثعلب : غلام بلبل خفيف في السفر ، وقصره على الغلام . ابن السكيت : له أليل وبليل ، وهما الأنين مع الصوت ; وقال المرار بن سعيد :


                                                          إذا ملنا على الأكوار ألقت     بألحيها لأجرنها بليل .



                                                          أراد إذا ملنا عليها نازلين إلى الأرض مدت جرنها على الأرض من التعب . أبو تراب عن زائدة : ما فيه بلالة ولا علالة ، أي ما فيه بقية . وبلبول : اسم بلد . والبلبول : اسم جبل ; قال الراجز :


                                                          قد طال ما عارضها بلبول     وهي تزول وهو لا يزول .



                                                          وقوله في حديث لقمان : ما شيء أبل للجسم من اللهو ، قال ابن الأثير : هو شيء كلحم العصفور أي أشد تصحيحا وموافقة له . ومن خفيف هذا الباب بل ، كلمة استدراك وإعلام بالإضراب عن الأول ، وقولهم : قام زيد بل عمرو وبن زيد فإن النون بدل من اللام ، ألا ترى إلى كثرة استعمال بل وقلة استعمال بن ، والحكم على الأكثر لا الأقل ؟ قال ابن سيده : هذا هو الظاهر من أمره ، قال : وقال ابن جني : لست أدفع مع هذا أن تكون بن لغة قائمة بنفسها . التهذيب في ترجمة بلى : بلى تكون جوابا للكلام الذي فيه الجحد . قال الله - تعالى - : ألست بربكم قالوا بلى ; قال : وإنما صارت بلى تتصل بالجحد لأنها رجوع عن الجحد إلى التحقيق ، فهو بمنزلة بل ، وبل سبيلها أن تأتي بعد الجحد كقولك : ما قام أخوك بل أبوك ، وما أكرمت أخاك بل أباك ، وإذا قال الرجل للرجل : ألا تقوم ؟ فقال له : بلى ، أراد بل أقوم ، فزادوا الألف على بل ليحسن السكوت عليها ، لأنه لو قال : بل كان يتوقع كلاما بعد بل ، فزادوا الألف ليزول عن المخاطب هذا التوهم ، قال الله - تعالى - : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ; ثم قال بعد : بلى من كسب سيئة ; والمعنى بل من كسب سيئة ، وقال المبرد : بل حكمها الاستدراك أينما وقعت في جحد أو إيجاب ، قال : وبلى تكون إيجابا للمنفي لا غير . قال الفراء : بل تأتي بمعنيين : تكون إضرابا عن الأول وإيجابا للثاني كقولك : عندي له دينار لا بل ديناران ، والمعنى الآخر أنها توجب ما قبلها وتوجب ما بعدها ، وهذا يسمى الاستدراك لأنه أراده فنسيه ثم استدركه . قال الفراء : والعرب تقول : بل والله لا آتيك وبن والله ، يجعلون اللام فيها نونا ، وهي لغة بني سعد ولغة كلب ، قال : وسمعت الباهليين يقولون : لا بن بمعنى لا بل . الجوهري : بل مخفف حرف ، يعطف بها الحرف الثاني على الأول ، فيلزمه مثل إعرابه ، وهو للإضراب عن الأول للثاني ، كقولك : ما جاءني زيد بل عمرو ، وما رأيت زيدا بل عمرا ، وجاءني أخوك بل أبوك تعطف بها بعد النفي والإثبات جميعا ، وربما وضعوه موضع رب ، كقول الراجز :


                                                          بل مهمه قطعت بعد مهمه .



                                                          يعني رب مهمه كما يوضع الحرف موضع غيره اتساعا ، وقال آخر :


                                                          بل جوز تيهاء كظهر الحجفت .



                                                          وقوله - عز وجل - : ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق ; قال الأخفش عن بعضهم : إن بل ههنا بمعنى إن فلذلك صار القسم عليها ، قال : وربما استعملت العرب في قطع كلام واستئناف آخر فينشد الرجل منهم الشعر فيقول :


                                                          . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . بل     ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا .



                                                          ويقول : [ ص: 149 ]

                                                          . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . بل     وبلدة ما الإنس من آهالها
                                                          ترى بها العوهق من رئالها     كالنار جرت طرفي حبالها .



                                                          قوله : بل ليست من البيت ولا تعد في وزنه ولكن جعلت علامة لانقطاع ما قبله ، والرجز الأول لرؤبة وهو :


                                                          أعمى الهدى بالجاهلين العمه     بل مهمه قطعت بعد مهمه .



                                                          والثاني لسؤر الذئب وهو :


                                                          بل جوز تيهاء كظهر الحجفت     يمسي بها وحوشها قد جئفت .



                                                          قال : وبل نقصانها مجهول ، وكذلك هل وقد ، إن شئت جعلت نقصانها واوا قلت : بلو هلو قدو ، وإن شئت جعلته ياء . ومنهم من يجعل نقصانها مثل آخر حروفها فيدغم ويقول : هل وبل وقد ، بالتشديد . قال ابن بري : الحروف التي هي على حرفين مثل قد وبل وهل لا يقدر فيها حذف حرف ثالث كما يكون ذلك في الأسماء نحو يد ودم ، فإن سميت بها شيئا لزمك أن تقدر لها ثالثا ، قال : ولهذا لو صغرت إن التي للجزاء لقلت : أني ، ولو سميت بإن المخففة من الثقيلة لقلت : أنين ، فرددت ما كان محذوفا ، قال : وكذلك رب المخففة تقول في تصغيرها اسم رجل ربيب ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية