الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في جناية العبد في رقبته أو ذمته قلت : أرأيت لو أن عبدا غصب حرة نفسها ، أتجعل الصداق في رقبته أم في ذمته في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : ما غصب العبد من حرة أو أمة غصبهن أنفسهن ، إن [ ص: 610 ] ذلك في رقبة العبد في الإماء ما نقصهن كما وصفت لك ، وفي الحرائر صداق مثلهن ، يقال للسيد : ادفع العبد أو افده بصداق مثلها أو بما نقص الأمة ، يفديه بجميع ذلك أو يسلمه .

                                                                                                                                                                                      قلت : وهذا قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن باع عبدا سارقا كتمه ذلك ، فسرق من المشتري الذي ابتاعه ، أيكون ذلك له في ذمة العبد أم في رقبته إذا رده على سيده بالعيب ؟

                                                                                                                                                                                      قال : يكون في ذمة العبد إن عتق يوما ما ، لأنه كان مأذونا له في الدخول في بيت المشتري ، وكان مؤتمنا على ذلك ، وكذلك قال مالك : إن ذلك في ذمته .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن كانت سرقته إنما سرقها من أجنبي ، سرقة لا قطع فيها . كان لهذا المشتري أن يرده بالعيب ويقال للسيد البائع ادفع أو افد بحال ما وصفت لك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، ولم أسمعه من مالك . قال : ولا تشبه سرقته من المشتري سرقة من الأجنبي ، لأن سرقته من المشتري لا قطع عليه فيها ، وسرقته من الأجنبي عليه فيها القطع ، وإنما يلزم المشتري ما حدث من العيوب عنده من غير العيب الذي دلس له به ، وهذا الآخر قول مالك .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : كل ما وقعت فيه الدية فدرئ القطع عن العبد والحر ، فما سرق الحر ففي ذمته ، وما سرق العبد ففي رقبته ، وما سرق هذا العبد المدلس له من سيده أو من غير سيده فهو سواء ، وهو في رقبته بمنزلة الجناية . فإذا لزم القطع لم يكن ما سرق الحر في ذمته ، وما سرق العبد في رقبته ، وما أصابه فهو من البائع .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وما سرق العبد من سيده فليس عليه فيه شيء يتبع به عتق أو ورق - قل ما سرق من ذلك أو كثر - قال : وقال مالك في العبد يجني جناية : إن ماله ورقبته في جنايته ، ويقال للسيد : ادفعه وماله أو افده بعقل جميع جنايته .

                                                                                                                                                                                      فقيل لمالك : فإن كان عليه دين ؟

                                                                                                                                                                                      قال : دينه أولى بماله وجنايته في رقبته .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك في العبد يجر الجريرة ، وله مال وعليه دين : إن ماله في دينه وجريرته في رقبته يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال في الذي يقع على الصبية فيفتضها ولعله حر أو مملوك . قال ربيعة : إن كان حرا أو مملوكا فعليهما الحد ، وإن كان الحر محصنا فأرجمه ، وإن كان بكرا فعليه مع الحد العوض لها مما أصابها به بقدر رأي السلطان فيما أفسد من كفاءتها وموضعها لمن أرادها ، وإن كان عبدا فهو بعينه لها إلا أن يكون خطرها فيما أصاب منها أيسر من أن يحيط برقبته ، فيباع بغير أرضها وتعطى من الثمن عوض ما رأى المسلمون لها ، ويرد على سيد العبد فضل إن فضل من ذلك شيء ، وكان الحد على الحر والعبد ، لأنهما أصابا محرما ، وعلى من أصابه من كبيرة أو صغيرة الحد ، وكان العوض لها بما استحلا من حرمتها ، ولما أدخلا من الشين عليها .

                                                                                                                                                                                      ابن وهب : عن عميرة بن أبي ناجية وغيره عن يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز أتى بعبد افتض جارية وهي كارهة ، فجلده عمر ثم باعه بأرض غير أرض المرأة وأعطيت المرأة ثمنه ابن لهيعة : والليث عن عبيد الله بن أبي جعفر [ ص: 611 ] عن محمد بن جعفر بن الزبير قال : قضى عمر بن الخطاب فيمن استكره امرأة بكرا بالغرم الحد وإن كان عبدا فكان ثمنه أكثر من ذلك فداه أهله إن أحبوا ، وإن كان ثمنه أقل من ذلك فليس لهم إلا العبد . قال ابن أبي الزناد : قال أبو الزناد في عبد افتض أمة فذهب بعذرتها . قال : يغرم لأهلها ما بين ثمنها ثيبا

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية