الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 498 ] [ باب أي الوالدين أحق بالولد من كتب عدة ] مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن زياد بن سعد ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن أبي ميمونة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه ، وما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خير غلاما بين أبويه ، وعن عمارة الجرمي قال : خيرني علي رضي الله عنه بين أمي وعمي ثم قال لأخ لي أصغر مني وهذا أيضا لو قد بلغ مبلغ هذا خيرته " . وقال في الحديث : وكنت ابن سبع أو ثمان سنين " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن افتراق الأبوين إذا كان بينهما ولد لا يخلو حاله معهما من أربع أحوال :

                                                                                                                                            إحداها : حال رضاع .

                                                                                                                                            والثانية : حال حضانة .

                                                                                                                                            والثالثة : حال كفالة .

                                                                                                                                            والرابعة : حال كفاية .

                                                                                                                                            أما الحالة الأولى : وهي الرضاع فقد ذكرناه ، وقدره الشرع بحولين إلا أن يتراضى الأبوان على الزيادة والنقصان فيعمل على تراضيهما ، فإن اختلفا عمل على تقديره بالحولين شرعا والأم أحق برضاعه على ما وصفناه .

                                                                                                                                            وأما الحالة الثانية : وهي الحضانة ، فهي ترتيبه ومراعاة مصلحته في وقت يعجز ولا يميز بين ضرها ونفعها وذلك فيما دون سبع سنين فتمضي الأم بحضانته ، ويغرم الأب بنفقته ؛ لما رواه ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عمرو أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها فقالت : إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وثديي له شفاء ، وحجري له حواء ، وإن أباه طلقني ، ويريد أن ينتزعه مني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كنت أحق به ما لم تنكحي " . فانطلقت به ؛ ولأن الأم بتربية ولدها أحن وعليه أجبن ؛ لما جبلت عليه من فضل الميل إلى الأولاد وكثرة الحنو والإشفاق ؛ ولأن النساء [ ص: 499 ] أخص بآلة التربية من الرجال فصارت الأم لذلك أحق لحضانته من الأب مع تكافئهما في الأمانة والسلامة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية