الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم [ ص: 770 ] لفي شك منه مريب وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون

                                                                                                                                                                                                                                        (110) يخبر تعالى، أنه آتى موسى الكتاب، الذي هو التوراة، الموجب للاتفاق على أوامره ونواهيه والاجتماع، ولكن مع هذا، فإن المنتسبين إليه، اختلفوا فيه اختلافا، أضر بعقائدهم، وبجامعتهم الدينية.

                                                                                                                                                                                                                                        ولولا كلمة سبقت من ربك بتأخيرهم، وعدم معاجلتهم بالعذاب لقضي بينهم بإحلال العقوبة بالظالم، ولكنه تعالى، اقتضت حكمته، أن أخر القضاء بينهم إلى يوم القيامة، وبقوا في شك منه مريب.

                                                                                                                                                                                                                                        وإذا كانت هذه حالهم، مع كتابهم، فمع القرآن الذي أوحاه الله إليك، غير مستغرب، من طائفة اليهود، أن لا يؤمنوا به، وأن يكونوا في شك منه مريب.

                                                                                                                                                                                                                                        (111) وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم أي: لا بد أن يقضي الله بينهم يوم القيامة، بحكمه العدل، فيجازي كلا بما يستحقه.

                                                                                                                                                                                                                                        إنه بما يعملون من خير وشر خبير فلا يخفى عليه شيء من أعمالهم، دقيقها وجليلها.

                                                                                                                                                                                                                                        (112) ثم لما أخبر بعدم استقامتهم، التي أوجبت اختلافهم وافتراقهم، أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، ومن معه من المؤمنين، أن يستقيموا كما أمروا، فيسلكوا ما شرعه الله من الشرائع، ويعتقدوا ما أخبر الله به من العقائد الصحيحة، ولا يزيغوا عن ذلك يمنة ولا يسرة، ويدوموا على ذلك، ولا يطغوا بأن يتجاوزوا ما حده الله لهم من الاستقامة.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله: إنه بما تعملون بصير أي: لا يخفى عليه من أعمالكم شيء، وسيجازيكم عليها، ففيه ترغيب لسلوك الاستقامة، وترهيب من ضدها.

                                                                                                                                                                                                                                        (113) ولهذا حذرهم عن الميل إلى من تعدى الاستقامة فقال: ولا تركنوا أي: لا تميلوا إلى الذين ظلموا فإنكم، إذا ملتم إليهم، ووافقتموهم على ظلمهم، أو رضيتم ما هم عليه من الظلم فتمسكم النار إن فعلتم ذلك وما لكم من دون الله من أولياء يمنعونكم من عذاب الله، ولا يحصلون لكم شيئا من ثواب الله. ثم لا تنصرون أي: لا يدفع عنكم العذاب إذا مسكم.

                                                                                                                                                                                                                                        ففي هذه الآية: التحذير من الركون إلى كل ظالم، والمراد بالركون، الميل والانضمام [ ص: 771 ] إليه بظلمه وموافقته على ذلك، والرضا بما هو عليه من الظلم.

                                                                                                                                                                                                                                        وإذا كان هذا الوعيد في الركون إلى الظلمة، فكيف حال الظلمة بأنفسهم؟!! نسأل الله العافية من الظلم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية