الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              356 [ ص: 295 ] 7 - باب: الصلاة في الجبة الشأمية وقال الحسن في الثياب ينسجها المجوسي لم ير بها بأسا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال معمر: رأيت الزهري يلبس من ثياب اليمن ما صبغ بالبول. وصلى علي في ثوب غير مقصور.

                                                                                                                                                                                                                              363 - حدثنا يحيى قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن مغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فقال: "يا مغيرة، خذ الإداوة". فأخذتها، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى توارى عني، فقضى حاجته وعليه جبة شأمية، فذهب ليخرج يده من كمها فضاقت، فأخرج يده من أسفلها، فصببت عليه فتوضأ وضوءه للصلاة، ومسح على خفيه، ثم صلى. [انظر: 182 - مسلم: 274 - فتح: 1 \ 473] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              (وقال الحسن في الثياب ينسجها المجوسي لم ير بها بأسا.) وهذا قد أسنده ابن أبي شيبة بنحوه فقال: حدثنا أبو داود عن الحكم بن عطية: سمعت الحسن وسئل عن الثوب يخرج من النساج تصلي فيه؟ قال: نعم، قال: وسمعت ابن سيرين يكرهه، وقال أبو نعيم في "كتاب الصلاة": حدثنا ربيع عن الحسن، قال: لا بأس بالصلاة في رداء اليهودي والنصراني.

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (ينسجها) قال ابن التين: قرأناه بكسر السين وهو في هذه اللغة بالكسر والضم. والجمهور ومنهم الكوفيون والثوري والشافعي على جواز الصلاة فيما ينسجه المجوسي والمشركون، وإن لم يغسل حتى يتبين بها نجاسة، وكره مالك أن يصلى فيما لبسوه، وإن فعل يعيد [ ص: 296 ] في الوقت، وعن أبي حنيفة أنه قال: أكره للمسلم أن يلبس السراويل والأزرار إلا بعد الغسيل، وقال إسحاق: تطهر جميع ثيابهم.

                                                                                                                                                                                                                              قال البخاري: وقال معمر: رأيت الزهري يلبس من ثياب اليمن ما صبغ بالبول.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا ذكره معمر في "جامعه" والظاهر أنه لم يصل فيها إلا بعد غسلها، وكذا قال مالك وأصحابه: إن ثياب اليمن تطهر بعد الصبغ.

                                                                                                                                                                                                                              قال البخاري: وصلى علي في ثوب غير مقصور.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا أسنده ابن أبي شيبة فقال: حدثنا وكيع ثنا علي بن صالح، عن عطاء أبي محمد، قال: رأيت على علي قميصا من هذه الكرابيس غير غسيل.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن التين: قوله: (غير مقصور) أي: خام غير مدقوق، يقال: قصرت الثوب إذا دققته ومنه القصار، وقال الداودي في "شرحه" ومنه نقلت غير مقصور أي: لم يلبس بعد، قال: وهو قول مالك إلا أنه يستحب أن لا يصلي على الثياب إلا من حر أو برد أو نجاسة بالموضع؛ لأجل الترفه؛ لأن الصلاة موضع الخشوع.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 297 ] ثم ساق البخاري حديث المغيرة فقال:

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا يحيى، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن مغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فقال: "يا مغيرة، خذ الإداوة". فأخذتها، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى توارى عني، فقضى حاجته وعليه جبة شأمية، فذهب ليخرج يده من كمها فضاقت، فأخرج يده من أسفلها، فصببت عليه فتوضأ وضوءه للصلاة، ومسح على خفيه، ثم صلى.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا الحديث تقدم في باب: المسح على الخفين، وقبله في باب: الرجل يوصي صاحبه، ويأتي في الجهاد واللباس مختصرا، وأخرجه مسلم في الطهارة.

                                                                                                                                                                                                                              ومسلم هو: ابن صبيح، قال الدارقطني: وخالف عمرو بن صبيح، فرواه عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن المغيرة، وحديث مسلم بن صبيح أصح، ويحيى هذا مذكور أيضا في الجنائز، وتفسير سورة الرحمن.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 298 ] ونسب ابن السكن كما قال الجياني الذي في الجنائز ابن موسى - يعني: ختا- وأهمل الموضعين الآخرين، وذكر الكلاباذي: أن يحيى بن موسى ختا روى عن أبي معاوية وأن يحيى بن جعفر بن عون روى عن أبي معاوية أيضا ورواه الطبراني في "معجمه" من طريق يحيى الحماني عن أبي معاوية، ويحيى هذا ليس من شيوخ البخاري.

                                                                                                                                                                                                                              وهذه السفرة هي غزوة تبوك كما جاء مصرحا به في "الصحيح" وقوله: " يا مغيرة" جاء في بعض الروايات: "يا مغيرة" على الترخيم، والإداوة -بكسر الهمزة- إناء من جلد، والركوة: قال الجوهري: الإداوة المطهرة وهذه الجبة قال الداودي: كانت الجبة من صوف وذكر البخاري هذا الحديث لئلا يتوهم أن ثياب المشركين نجسة؛ لأن هذا كان في غزوة تبوك والشام إذ ذاك دار كفر لم تفتح، ففيه: إباحة لبس ثياب المشركين، وكانت ثيابهم ضيقة الأكمام والظاهر أنه لم يغسلها إذ لو فعل لنقل.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: إخراج اليدين أسفل الثوب عند الاحتياج إليه، ولباس الثياب الضيقة الأكمام كالقباء ونحوه، وإباحة خدمة العالم في السفر والصب على المتوضئ.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية