الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب منه

                                                                                                          3410 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا إسمعيل ابن علية حدثنا عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة ألا وهما يسير ومن يعمل بهما قليل يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا ويحمده عشرا ويكبره عشرا قال فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده قال فتلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمس مائة في الميزان وإذا أخذت مضجعك تسبحه وتكبره وتحمده مائة فتلك مائة باللسان وألف في الميزان فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمس مائة سيئة قالوا فكيف لا يحصيها قال يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته فيقول اذكر كذا اذكر كذا حتى ينفتل فلعله لا يفعل ويأتيه وهو في مضجعه فلا يزال ينومه حتى ينام قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد روى شعبة والثوري عن عطاء بن السائب هذا الحديث وروى الأعمش هذا الحديث عن عطاء بن السائب مختصرا وفي الباب عن زيد بن ثابت وأنس وابن عباس

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( خلتان ) بفتح الخاء أي خصلتان " لا يحصيهما رجل مسلم " أي لا يحافظ عليهما كما [ ص: 251 ] في رواية أبي داود ( إلا دخل الجنة ) أي مع الناجين وهو استثناء مفرع ( ألا ) بالتخفيف حرف تنبيه " وهما " أي الخصلتان وهما الوصفان كل واحد منهما ( يسير ) أي سهل خفيف لعدم صعوبة العمل بهما على من يسره الله ( ومن يعمل بهما ) أي على وصف المداومة ( قليل ) أي نادر لغرة التوفيق وجملة التنبيه معترضة لتأكيد التحضيض على الإتيان بهما والترغيب في المداومة عليهما ، والظاهر أن الواو في " وهما " للحال والعامل فيه معنى التنبيه قاله القاري " يسبح الله " بأن يقول سبحان الله وهو بيان لإحدى الخلتين والضمير للرجل المسلم " في دبر " بضمتين أي عقب ( كل صلاة ) أي مكتوبة كما في رواية أحمد " عشرا " من المرات " ويحمده " بأن يقول : الحمد لله " ويكبره " بأن يقول : الله أكبر ( قال ) أي ابن عمرو ( يعقدها ) أي العشرات وفي بعض النسخ يعدها ( بيده ) أي بأصابعها أو بأناملها أو بعقدها ( قال ) أي النبي صلى الله عليه وسلم " فتلك " أي العشرات الثلاث دبر كل صلاة من الصلوات الخمس " خمسون ومائة " أي في يوم وليلة حاصلة من ضرب ثلاثين في خمسة أي مائة وخمسون حسنة " باللسان " أي بمقتضى نطقه في العدد " وألف وخمسمائة في الميزان " لأن كل حسنة بعشر أمثالها على أقل مراتب المضاعفة الموعودة في الكتاب والسنة " وإذا أخذت مضجعك " بيان للخلة الثانية " تسبحه وتكبره وتحمده مائة " وفي رواية أبي داود " ويكبر أربعا وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثا وثلاثين ويسبح ثلاثا وثلاثين ، " فتلك " أي المائة من أنواع الذكر " مائة " أي مائة حسنة " وألف " أي ألف حسنة على جهة المضاعفة " فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة " وفي المشكاة ألفين وخمسمائة سيئة والفاء جواب شرط محذوف وفي الاستفهام نوع إنكار يعني إذا حافظ على الخصلتين وحصل ألفان وخمسمائة حسنة في يوم وليلة فيعفى عنه بعدد كل حسنة سيئة كما قال تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات فأيكم يأتي بأكثر من هذا من السيئات في يومه وليلته حتى لا يصير معفوا عنه فما لكم لا تأتون بهما ولا تحصونهما " فكيف لا نحصيها " أي المذكورات قال الطيبي : أي كيف لا نحصي المذكورات في الخصلتين وأي شيء يصرفنا فهو استبعاد لإهمالهم في الإحصاء فرد استبعادهم بأن الشيطان يوسوس له في الصلاة حتى يغفل عن الذكر عقيبها وينومه عند الاضطجاع كذلك وهذا معنى قوله ( قال ) أي النبي صلى الله عليه وسلم " يأتي أحدكم " مفعول مقدم [ ص: 252 ] " فيقول " ويوسوس له أو يلقي في خاطره " اذكر كذا اذكر كذا " من الأشغال الدنيوية والأحوال النفسية الشهوية أو ما لا تعلق لها بالصلاة ولو من الأمور الأخروية " حتى ينفتل " أي ينصرف عن الصلاة " فلعله " أي فعسى " أن لا يفعل " أي الإحصاء ، قيل الفاء في " فلعله " جزاء شرط محذوف يعني إذا كان الشيطان يفعل كذا فعسى الرجل ألا يفعل وإدخال أن في خبره دليل على أن " لعل " هنا بمعنى عسى . وفيه إيماء إلى أنه إذا كان يغلبه الشيطان عن الحضور المطلوب المؤكد في صلاته فكيف لا يغلبه ولا يمنعه عن الأذكار المعدودة من السنن في حال انصرافه عن طاعته " ويأتيه " أي الشيطان أحدكم " فلا يزال ينومه " بتشديد الواو أي يلقي عليه النوم " حتى ينام " أي بدون الذكر . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان ( وقد روى شعبة والثوري عن عطاء بن السائب هذا الحديث ) يعني بطوله من غير اختصار كما رواه إسماعيل بن علية عن عطاء بن السائب ( وروى الأعمش هذا الحديث عن عطاء بن السائب مختصرا ) وقد أخرج الترمذي رواية الأعمش المختصرة بعد هذا وأخرجها أيضا في باب عقد التسبيح باليد . وقال هناك بعد إخراجها : وروى شعبة والثوري هذا الحديث عن عطاء بن السائب بطوله . قوله : ( وفي الباب عن زيد بن ثابت وأنس وابن عباس ) أما حديث زيد بن ثابت فأخرجه أحمد والنسائي والدارمي ، وأما حديث أنس فأخرجه البزار كما في الترغيب ، وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في باب التسبيح في أدبار الصلاة من كتاب الصلاة .




                                                                                                          الخدمات العلمية