الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7541 ) مسألة : قال ( وما أخذه أهل الحرب من أموال المسلمين وعبيدهم ، فأدركه صاحبه قبل قسمه ، فهو أحق به ) .

                                                                                                                                            وإن أدركه مقسوما ، فهو أحق به بالثمن الذي ابتاعه من المغنم ، في إحدى الروايتين ، والرواية الأخرى ، إذا قسم ، فلا حق له فيه بحال يعني إذا أخذ الكفار أموال المسلمين ، ثم قهرهم المسلمون ، فأخذوها منهم ، فإن علم صاحبها قبل قسمها ، ردت إليه بغير شيء ، في قول عامة أهل العلم ; منهم عمر رضي الله عنه وعطاء ، والنخعي ، وسلمان بن ربيعة ، والليث ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وقال الزهري : لا يرد إليه ، وهو للجيش . ونحوه عن عمرو بن دينار ; لأن الكفار ملكوه باستيلائهم ، فصار غنيمة ، كسائر أموالهم .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روى ابن عمر ، أن غلاما له أبق إلى العدو ، فظهر عليه المسلمون ، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمر ، ولم يقسم . وعنه ، قال : ذهب فرس له ، فأخذها العدو ، فظهر عليه المسلمون ، فرد عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم . رواهما أبو داود . وعن جابر بن حيوة ، أن أبا عبيدة كتب إلى عمر بن الخطاب ، فيما أحرز المشركون من المسلمين ، ثم ظهر المسلمون عليهم بعد . قال : من وجد ماله بعينه ، فهو أحق به ، ما لم يقسم . رواه سعيد ، والأثرم .

                                                                                                                                            فأما ما أدركه بعد أن قسم ، ففيه روايتان ; إحداهما ، أن صاحبه أحق به ، بالثمن الذي حسب به على من أخذه ، وكذلك إن بيع ثم قسم ثمنه ، فهو أحق به بالثمن . وهذا قول أبي حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، ومالك ; لما روى ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أصبته قبل أن نقسمه ، فهو لك ، وإن أصبته بعدما قسم ، أخذته بالقيمة .

                                                                                                                                            ولأنه إنما امتنع أخذه له بغير شيء كي لا يفضي إلى حرمان أخذه من الغنيمة ، أو يضيع الثمن على المشتري ، وحقهما ينجبر بالثمن ، فيرجع صاحب المال في عين ماله ، بمنزلة مشتري الشقص المشفوع . إلا أن المحكي عن مالك وأبي حنيفة ، أنه يأخذه بالقيمة . ويروى عن مجاهد مثله . والرواية الثانية عن أحمد ، أنه إذا قسم فلا حق له فيه بحال

                                                                                                                                            . نص عليه ، في رواية أبي داود وغيره . وهو قول عمر ، وعلي ، وسلمان بن ربيعة ، وعطاء ، والنخعي ، والليث . قال أحمد : أما قول من قال : هو أحق بالقيمة . فهو قول ضعيف عن مجاهد . وقال الشافعي : يأخذه صاحبه قبل القسمة وبعدها ، ويعطى مشتريه ثمنه من خمس المصالح ; لأنه لم يزل عن ملك صاحبه ، فوجب أن يستحق أخذه بغير شيء ، كما قبل القسمة ، ويعطي من حسب عليه القيمة ; لئلا يفضي إلى حرمان آخذه حقه من الغنيمة ، وجعل من سهم المصالح ; لأن هذا منها .

                                                                                                                                            وهذا قول ابن المنذر . [ ص: 219 ] ولنا ، ما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى السائب : أيما رجل من المسلمين أصاب رقيقه ومتاعه بعينه ، فهو أحق به من غيره ، وإن أصابه في أيدي التجار بعدما اقتسم ، فلا سبيل له إليه . وقال سلمان بن ربيعة : إذا قسم فلا حق له فيه . رواهما سعيد ، في " سننه " . ولأنه إجماع . قال أحمد : إنما قال الناس فيها قولين ; إذا قسم فلا شيء له .

                                                                                                                                            وقال قوم : إذا قسم فهو له بالثمن . فأما أن يكون له بعد القسمة بغير ذلك ، فلم يقله أحد ، ومتى ما انقسم أهل العصر على قولين في حكم ، لم يجز إحداث قول ثالث ، لأنه يخالف الإجماع ، فلم يجز المصير إليه . وقد روى أصحابنا عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

                                                                                                                                            { من أدرك ماله قبل أن يقسم ، فهو له ، وإن أدركه بعد أن قسم ، فليس له فيه شيء . } والمعمول على ما ذكرنا من الإجماع ، وقولهم : لم يزل ملك صاحبه عنه . غير مسلم . ( 7542 ) فصل : وإن أخذه أحد الرعية بهبة أو سرقة أو بغير شيء ، فصاحبه أحق به بغير شيء . وقال أبو حنيفة : لا يأخذه إلا بالقيمة ، لأنه صار ملكا لواحد بعينه ، فأشبه ما لو قسم .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روي ، أن قوما أغاروا على سرح النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوا ناقته ، وجارية من الأنصار ، فأقامت عندهم أياما ، ثم خرجت في بعض الليل ، قالت : فما وضعت يدي على ناقة إلا رغت ، حتى وضعتها على ناقة ذلول ، فامتطيتها ، ثم توجهت إلى المدينة ، ونذرت إن نجاني الله عليها أن أنحرها ، فلما قدمت المدينة ، استعرفت الناقة ، فإذا هي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها ، فقلت : يا رسول الله ، إني نذرت أن أنحرها . فقال : { بئسما جازيتها ، لا نذر في معصية } . وفي رواية : { لا نذر فيما لا يملك ابن آدم } . رواه أحمد ، ومسلم .

                                                                                                                                            ولأنه لم يحصل في يده بعوض ، فكان صاحبه أحق به ، كما لو أدركه في الغنيمة قبل قسمه .

                                                                                                                                            فأما إن اشتراه رجل من العدو ، فليس لصاحبه أخذه إلا بثمنه ; لما روى سعيد ، حدثنا عثمان بن مطر الشيباني ، حدثنا أبو حريز ، عن الشعبي ، قال : أغار أهل ماه وأهل جلولاء على العرب ، فأصابوا سبايا من سبايا العرب ، ورقيقا ، ومتاعا ، ثم إن السائب بن الأقرع عامل عمر غزاهم ، ففتح ماه ، فكتب إلى عمر في سبايا المسلمين ورقيقهم ومتاعهم ، قد اشتراه التجار من أهل ماه ، فكتب إليه عمر : إن المسلم أخو المسلم ، لا يخونه ، ولا يخذله ، فأيما رجل من المسلمين أصاب رقيقه ومتاعه بعينه ، فهو أحق به ، وإن أصابه في أيدي التجار بعدما اقتسم ، فلا سبيل إليه ، وأيما حر اشتراه التجار ، فإنه يرد عليهم رءوس أموالهم ، فإن الحر لا يباع ولا يشترى .

                                                                                                                                            وقال القاضي : ما حصل في يده بهبة أو سرقة أو شراء ، فهو كما لو وجده صاحبه بعد القسمة ، هل يكون صاحبه أحق به بالقيمة ؟ على روايتين ، والأولى ما ذكرناه . وإن علم الإمام بمال المسلم قبل قسمه ، فقسمه ، وجب رده ، وكان صاحبه أحق به بغير شيء ; لأن قسمته كانت باطلة من أصلها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية