الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      ما جاء في الرجل من أهل البادية ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت لو أن رجلا من أهل البادية من أهل الإبل ضرب بطن امرأة من أهل البادية فألقت جنينا ميتا ، أيكون فيه الإبل أم الدنانير - على الضارب - أم الغرة أم الدراهم ؟ قال مالك : في الغرة التي قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمران من الرقيق أحب إلي من السودان إلا أن تكون الحمران من الرقيق قليلة في الأرض التي يقضى فيها بالغرة فيؤخذ من السودان .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك : والقيمة في ذلك خمسون دينارا أو ستمائة درهم ، وليس القيمة عندنا كالسنة التي لا اختلاف فيها ، وأنا أرى ذلك حسنا .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : ففي هذا - من قول مالك - ما يدلك على أن دية الجنين إذا وقعت على أهل الإبل ، أن عليهم غرة وليست بإبل . وقد قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغرة - والدية يومئذ إبل عند النبي عليه السلام - وإنما قضى بالغرة على أهل الإبل ولم يجعل عليهم الإبل ، وإنما قوم [ ص: 635 ] عمر بن الخطاب رحمه الله الدية من الإبل على أهل الذهب والورق حين صارت . أموالهم ذهبا وورقا وترك دية الإبل على أهل الإبل على حالها - والغرة إنما هي سنة من النبي صلى الله عليه وسلم قائمة - عبدا أو وليدة - ألا ترى أن مالكا قال : ليس الخمسون دينارا في الغرة ولا الستمائة درهم كالسنة القائمة واستحسنه ، والدية فيه إنما هو عبد أو وليدة .

                                                                                                                                                                                      ألا ترى أن في حديث ابن شهاب الذي يذكره عن مالك : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بالغرة عبدا ووليدة } . وفي حديث سعيد بن المسيب الذي يذكره عنه مالك { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبدا ووليدة } . وفي حديث مالك عن ربيعة ، أن الغرة تقوم خمسين دينارا أو ستمائة درهم . وقال لي مالك في الغرة التي قضى فيها النبي عليه السلام : الحمران أحب إلي من السودان .

                                                                                                                                                                                      ورخص في السودان على حال ما وصفت لك إذا كان الحمران بتلك البلدة قليلا ، أن يؤخذ السودان . وذكر في التقويم أنه ليس كالسنة ، فإنما دية الجنين عبدا ووليدة أينما وقعت من بلاد المسلمين وعلى من وقعت ، ولا يلتفت فيه إلى أهل الإبل من غيرهم .

                                                                                                                                                                                      وكذلك { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغرة على أهل الإبل في الجنين } ، ولو كانت على أهل الإبل في الجنين إبل لكان على أهل الورق ورق ، وعلى أهل الذهب ذهب ، ولكنها على ما قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : ومما يبين ذلك أن الدية إنما كانت إبلا ، عندما قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الأنصاري الذي قتل بخيبر ، فإنما وداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبل وهو بالمدينة ، وقضى في الغرة بعبد أو وليدة وهو يومئذ بالمدينة .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية