الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الناس بعد ما حكى لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعلل اليهود بالأباطيل واقتراحهم الباطل تعنتا ورد عليهم ذلك بتحقيق نبوته عليه الصلاة والسلام وتقرير رسالته ببيان أن شأنه عليه الصلاة والسلام في أمر الوحي والإرسال كشئون من يعترفون بنبوته من مشاهير الأنبياء عليهم السلام وأكد ذلك بشهادته سبحانه وشهادة الملائكة أمر المكلفون كافة على طريق تلوين الخطاب بالإيمان بذلك أمرا مشفوعا بالوعد بالإجابة والوعيد على الرد تنبيها على أن الحجة قد لزمت ولم يبق بعد ذلك لأحد عذر في عدم القبول. وقوله عز وجل: قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم تكرير للشهادة وتقرير لحقية المشهود به وتمهيد لما يعقبه من الأمر بالإيمان ، وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة لتأكيد وجوب طاعته، والمراد بالحق: هو القرآن الكريم، والباء متعلقة بـ"جاءكم" فهي للتعدية أو بمحذوف وقع حالا من "الرسول" أي: ملتبسا بالحق و"من" أيضا متعلقة إما بالفعل وإما بمحذوف هو حال من الحق، أي: جاءكم به من عنده تعالى أو جاءكم بالحق كائنا من عنده تعالى والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين للإيذان بأن ذلك لتربيتهم وتبليغهم إلى كمالهم اللائق بهم ترغيبا لهم في الامتثال بما بعده من الأمر، والفاء في قوله عز وجل: فآمنوا للدلالة على إيجاب ما قبلها لما بعدها أي: فآمنوا به وبما جاء به من الحق. وقوله تعالى: خيرا لكم منصوب على أنه مفعول لفعل واجب الإضمار كما هو رأي الخليل وسيبويه، أي: اقصدوا أو ائتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم فيه من الكفر أو على أنه نعت لمصدر محذوف كما هو رأي الفراء أي: آمنوا إيمانا خيرا لكم أو على أنه خبر كان المضمرة الواقعة جوابا للأمر لا جزاء للشرط الصناعي وهو رأي الكسائي وأبي عبيدة أي: يكن الإيمان خيرا لكم. وإن تكفروا أي: أن تصروا وتستمروا على الكفر به. فإن لله ما في السماوات والأرض من الموجودات سواء كانت داخلة في حقيقتهما وبذلك يعلم حال أنفسهما على أبلغ وجه وآكده أو خارجة عنهما مستقرة فيهما من العقلاء وغيرهم فيدخل في جملتهم المخاطبون دخولا أوليا أي: كلها له عز وجل [ ص: 259 ] خلقا وملكا وتصرفا لا يخرج من ملكوته وقهره شيء منها فمن هذا شأنه فهو قادر على تعذيبكم بكفركم لا محالة أو فمن كان كذلك فهو غني عنكم وعن غيركم لا يتضرر بكفركم ولا ينتفع بإيمانكم، وقيل: فمن كان كذلك فله عبيد يعبدونه وينقادون لأمره. وكان الله عليما مبالغا في العلم فهو أعلم بأحوال الكل فيدخل في ذلك علمه تعالى بكفرهم دخولا أوليا. حكيما مراعيا للحكمة في جميع أفعاله التي من جملتها تعذيبه تعالى إياهم بكفرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية