الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل - : كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة ؛ الله - عز وجل - تفضل على العباد بأن أمهلهم عند كفرهم؛ وإقدامهم على [ ص: 232 ] كبائر ما نهاهم عنه؛ بأن أنظرهم؛ وعمرهم؛ وفسح لهم ليتوبوا؛ فذلك كتبه الرحمة على نفسه؛ فأما ليجمعنكم إلى يوم القيامة ؛ فهو احتجاج على المشركين الذين دفعوا البعث؛ فقال - عز وجل - : ليجمعنكم إلى يوم القيامة ؛ أي : إلى اليوم الذي أنكرتموه؛ كما تقول : " قد جمعت هؤلاء إلى هؤلاء " ؛ أي : ضممت بينهم في الجمع.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله : الذين خسروا أنفسهم ؛ ذكر الأخفش أن " الذين " ؛ بدل من الكاف؛ والميم؛ المعنى : ليجمعن هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم إلى هذا اليوم الذي يجحدونه؛ ويكفرون به؛ والذي عندي أن قوله : الذين خسروا أنفسهم ؛ في موضع رفع على الابتداء؛ وخبره : فهم لا يؤمنون ؛ لأن " ليجمعنكم " ؛ مشتمل على سائر الخلق؛ على الذين خسروا أنفسهم وغيرهم؛ وهذه اللام في " ليجمعنكم " ؛ لام قسم؛ فجائز أن يكون تمام الكلام " كتب ربكم على نفسه الرحمة " ؛ ثم استأنف فقال : " ليجمعنكم " ؛ وكأن المعنى : " والله ليجمعنكم " ؛ وجائز أن يكون " ليجمعنكم " ؛ بدلا من " الرحمة " ؛ مفسرا لها؛ لأنه لما قال : " كتب ربكم على نفسه الرحمة " ؛ فسر رحمته بأنه يمهلهم إلى يوم القيامة؛ ويكون في الإمهال ما فسرنا آنفا.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية