الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بلا ]

                                                          بلا : بلوت الرجل بلوا وبلاء وابتليته اختبرته وبلاه يبلوه بلوا إذا جربه واختبره . وفي حديث حذيفة : لا أبلي أحدا بعدك أبدا . وقد ابتليته فأبلاني أي استخبرته فأخبرني . وفي حديث أم سلمة : إن من أصحابي من لا يراني بعد أن فارقني ، فقال لها عمر : بالله أمنهم أنا ؟ قالت : لا ولن أبلي أحدا بعدك أي لا أخبر بعدك أحدا ، وأصله من قولهم : أبليت فلانا يمينا ، إذا حلفت له بيمين طيبت بها نفسه . وقال ابن الأعرابي : أبلى بمعنى أخبر . وابتلاه الله : امتحنه ، والاسم البلوى والبلوة والبلية والبلية والبلاء ، وبلي بالشيء بلاء وابتلي والبلاء يكون في الخير والشر . يقال : ابتليته بلاء حسنا وبلاء سيئا ، والله تعالى يبلي العبد بلاء حسنا ويبليه بلاء سيئا ، نسأل الله تعالى العفو والعافية ، والجمع البلايا ، صرفوا فعائل إلى فعالى كما قيل في إداوة . التهذيب : بلاه يبلوه بلوا ، إذا ابتلاه الله ببلاء يقال : ابتلاه الله ببلاء . وفيالحديث : اللهم لا تبلنا إلا بالتي هي أحسن ، والاسم البلاء أي لا تمتحنا . ويقال : أبلاه الله يبليه إبلاء حسنا إذا صنع به صنعا جميلا . وبلاه الله بلاء وابتلاه أي اختبره . والتبالي : الاختبار . والبلاء : الاختبار ، يكون بالخير والشر . وفي كتاب هرقل : فمشى قيصر إلى إيلياء لما أبلاه الله . قال القتيبي : يقال من الخير أبليته إبلاء ومن الشر بلوته أبلوه بلاء ; قال : والمعروف أن الابتلاء يكون في الخير والشر معا من غير فرق بين فعليهما ، ومنه قوله تعالى : ونبلوكم بالشر والخير فتنة ; قال : وإنما مشى قيصر شكرا لاندفاع فارس عنه . قال ابن بري : والبلاء الإنعام ، قال الله تعالى : وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين ; أي إنعام بين . وفي الحديث : " من أبلي فذكر فقد شكر " ، الإبلاء : الإنعام والإحسان . يقال : بلوت الرجل وأبليت عنده بلاء حسنا . وفي حديث كعب بن مالك : ما علمت أحدا أبلاه الله أحسن مما أبلاني ، والبلاء الاسم ممدود . يقال : أبلاه الله بلاء حسنا وأبليته معروفا ، قال زهير :


                                                          جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو .



                                                          أي صنع بهما خير الصنيع الذي يبلو به عباده . ويقال : بلي فلان وابتلي إذا امتحن . والبلوى : اسم من بلاه الله يبلوه . وفي حديث حذيفة : أنه أقيمت الصلاة فتدافعوها فتقدم حذيفة فلما سلم من صلاته قال : لتبتلن لها إماما أو لتصلن وحدانا ، قال شمر : قوله : لتبتلن لها إماما ، يقول : لتختارن ، وأصله من الابتلاء الاختبار من بلاه يبلوه ، وابتلاه أي جربه ; قال : وذكره غيره في الباء والتاء واللام وهو مذكور في موضعه وهو أشبه . ونزلت بلاء على الكفار مثل قطام : يعني البلاء . وأبليت فلانا عذرا أي بينت وجه العذر لأزيل عني اللوم . وأبلاه عذرا : أداه إليه فقبله ، وكذلك أبلاه جهده ونائله . وفي الحديث : إنما النذر ما ابتلي به وجه الله أي أريد به وجهه وقصد به . وقوله في حديث بر الوالدين : " أبل الله تعالى عذرا في برها " ، أي أعطه ، وأبلغ العذر فيها إليه المعنى أحسن فيما بينك وبين الله ببرك إياها . وفي حديث سعد يوم بدر : عسى أن يعطى هذا من لا يبلي بلائي ، أي يعمل مثل عملي في الحرب ، كأنه يريد أفعل فعلا أختبر به فيه ويظهر به خيري وشري . ابن الأعرابي : ويقال أبلى فلان إذا اجتهد في صفة حرب أو كرم . يقال : أبلى ذلك اليوم بلاء حسنا ; قال : ومثله بالى يبالي مبالاة ; وأنشد :


                                                          ما لي أراك قائما تبالي     وأنت قد قمت من الهزال ؟



                                                          قال : سمعه وهو يقول : أكلنا وشربنا وفعلنا ، يعدد المكارم وهو في ذلك كاذب ، وقال في موضع آخر : معناه تبالي تنظر أيهم أحسن بالا وأنت هالك . قال : ويقال بالى فلان فلانا مبالاة إذا فاخره ، وبالاه يباليه إذا ناقصه ، وبالى بالشيء يبالي به إذا اهتم به ، وقيل : اشتقاق باليت من البال بال النفس ، وهو الاكتراث ، ومنه أيضا : لم يخطر ببالي ذلك الأمر أي لم يكرثني . ورجل بلو شر وبلي خير أي قوي [ ص: 152 ] عليه مبتلى به . وإنه لبلو وبلي من أبلاء المال أي قيم عليه . ويقال للراعي الحسن الرعية : إنه لبلو من أبلائها ، وحبل من أحبالها ، وعسل من أعسالها ، وزر من أزرارها ، قال عمر بن لجإ :


                                                          فصادفت أعصل من أبلائها     يعجبه النزع على ظمائها .



                                                          قلبت الواو في كل ذلك ياء للكسرة ، وضعف الحاجز فصارت الكسرة كأنها باشرت الواو . وفلان بلي أسفار إذا كان قد بلاه السفر والهم ونحوهما . قال ابن سيده : وجعل ابن جني الياء في هذا بدلا من الواو لضعف حجز اللام كما ذكرناه في قوله فلان من علية الناس . وبلي الثوب يبلى بلى وبلاء وأبلاه هو ، قال العجاج :


                                                          والمرء يبليه بلاء السربال     كر الليالي وانتقال الأحوال .



                                                          أراد : إبلاء السربال ، أو أراد : فيبلى بلاء السربال ، إذا فتحت الباء مددت وإذا كسرت قصرت ، ومثله القرى والقراء والصلى والصلاء . وبلاه : كأبلاه ، قال العجير السلولي :


                                                          وقائلة : هذا العجير تقلبت     به أبطن بلينه وظهور
                                                          رأتني تجاذبت الغداة ، ومن يكن     فتى عام عام الماء ، فهو كبير .



                                                          وقال ابن أحمر :


                                                          لبست أبي حتى تبليت عمره     وبليت أعمامي وبليت خاليا .



                                                          يريد أي عشت المدة التي عاشها أبي ، وقيل : عامرته طول حياتي ، وأبليت الثوب . يقال للمجد : أبل ويخلف الله ، وبلاه السفر وبلى عليه وأبلاه ، أنشد ابن الأعرابي :


                                                          قلوصان عوجاوان ، بلى عليهما     دءوب السرى ، ثم اقتداح الهواجر .



                                                          وناقة بلو سفر ، بكسر الباء : أبلاها السفر ، وفي المحكم : قد بلاها السفر وبلي سفر وبلو شر وبلي شر ورذية سفر ورذي سفر ورذاة سفر ، ويجمع رذيات ، وناقة بلية : يموت صاحبها فيحفر لديها حفرة وتشد رأسها إلى خلفها وتبلى أي تترك هناك لا تعلف ولا تسقى حتى تموت جوعا وعطشا . كانوا يزعمون أن الناس يحشرون يوم القيامة ركبانا على البلايا ، أو مشاة إذا لم تعكس مطاياهم على قبورهم ، قلت : في هذا دليل على أنهم كانوا يرون في الجاهلية البعث والحشر بالأجساد ، تقول منه : بليت وأبليت ، قال الطرماح :


                                                          منازل لا ترى الأنصاب فيها     ولا حفر المبلي للمنون .



                                                          أي أنها منازل أهل الإسلام دون الجاهلية . وفي حديث عبد الرزاق : كانوا في الجاهلية يعقرون عند القبر بقرة أو ناقة أو شاة ويسمون العقيرة البلية ، كان إذا مات لهم من يعز عليهم أخذوا ناقة فعقلوها عند قبره فلا تعلف ولا تسقى إلى أن تموت ، وربما حفروا لها حفيرة وتركوها فيها إلى أن تموت ، وبلية : بمعنى مبلاة أو مبلاة ، وكذلك الرذية بمعنى مرذاة ، فعيلة بمعنى مفعلة ، وجمع البلية الناقة بلايا ، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك . ويقال : قامت مبليات فلان ينحن عليه ، وهن النساء اللواتي يقمن حول راحلته فينحن إذا مات أو قتل ، وقال أبو زبيد :


                                                          كالبلايا رءوسها في الولايا     مانحات السموم حر الخدود .



                                                          المحكم : ناقة بلو سفر قد بلاها السفر ، وكذلك الرجل والبعير ، والجمع أبلاء ; وأنشد الأصمعي لجندل بن المثنى :


                                                          ومنهل من الأنيس ناء     شبيه لون الأرض بالسماء
                                                          داويته برجع أبلاء .



                                                          ابن الأعرابي : البلي والبلية والبلايا التي قد أعيت وصارت نضوا هالكا . ويقال : ناقتك بلو سفر إذا أبلاها السفر . المحكم : والبلية الناقة أو الدابة التي كانت تعقل في الجاهلية ، تشد عند قبر صاحبها لا تعلف ولا تسقى حتى تموت ، كانوا يقولون : إن صاحبها يحشر عليها ، قال غيلان بن الربعي :


                                                          باتت وباتوا ، كبلايا الأبلاء     مطلنفئين عندها كالأطلاء .



                                                          يصف حلبة قادها أصحابها إلى الغاية ، وقد بليت . وأبليت الرجل : أحلفته . وابتلى هو : استحلف واستعرف ; قال :


                                                          تبغي أباها في الرفاق وتبتلي     وأودى به في لجة البحر تمسح .



                                                          أي تسألهم أن يحلفوا لها ، وتقول لهم : ناشدتكم الله ، هل تعرفون لأبي خبرا ؟ وأبلى الرجل : حلف له ; قال :


                                                          وإني لأبلي الناس في حب غيرها     فأما على جمل فإني لا أبلي .



                                                          أي أحلف للناس ، إذا قالوا هل تحب غيرها ؟ أني لا أحب غيرها ، فأما عليها فإني لا أحلف ، قال أبو سعيد : قوله تبتلي في البيت الأول تختبر ، والابتلاء الاختبار بيمين كان أو غيرها . وأبليت فلانا يمينا إبلاء إذا حلفت له فطيبت بها نفسه ، وقول أوس بن حجر :


                                                          كأن جديد الأرض ، يبليك عنهم     تقي اليمين ، بعد عهدك ، حالف .



                                                          أي يحلف لك ، التهذيب : يقول : كأن جديد أرض هذه الدار وهو وجهها لما عفا من رسومها وامحى من آثارها حالف تقي اليمين ، يحلف لك أنه ما حل بهذه الدار أحد لدروس معاهدها ومعالمها . وقال ابن السكيت في قوله يبليك عنهم : أراد كأن جديد الأرض في حال إبلائه إياك أي تطييبه إياك حالف تقي اليمين . ويقال : أبلى الله فلان إذا حلف ، قال الراجز :


                                                          فأوجع الجنب وأعر الظهرا     أو يبلي الله يمينا صبرا .



                                                          ويقال : ابتليت أي استحلفت ، قال الشاعر :

                                                          [ ص: 153 ]

                                                          تسائل أسماء الرفاق وتبتلي     ومن دون ما يهوين باب وحاجب .



                                                          أبو بكر : البلاء هو أن يقول لا أبالي ما صنعت مبالاة وبلاء ، وليس هو من بلي الثوب . ومن كلام الحسن : لم يبالهم الله بالة . وقولهم : لا أباليه لا أكترث له . ويقال : ما أباليه بالة وبالا ، قال ابن أحمر :


                                                          أغدوا واعد الحي الزيالا     وشوقا لا يبالي العين بالا .



                                                          وبلاء ومبالاة ولم أبال ولم أبل على القصر . وفي الحديث : وتبقى حثالة لا يباليهم الله بالة ، وفي رواية : لا يبالي بهم بالة أي لا يرفع لهم قدرا ولا يقيم لهم وزنا ، وأصل بالة بالية مثل عافاه عافية فحذفوا الياء منها تخفيفا كما حذفوا من لم أبل . يقال : ما باليته وما باليت به أي لم أكترث به . وفي الحديث : هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي ، وحكى الأزهري عن جماعة من العلماء : أن معناه لا أكره . وفي حديث ابن عباس : ما أباليه بالة : وحديث الرجل مع عمله وأهله وماله قال : هو أقلهم به بالة أي مبالاة . قال الجوهري : فإذا قالوا لم أبل حذفوا الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال كما حذفوا الياء من قولهم لا أدر ، كذلك يفعلون بالمصدر فيقولون ما أباليه بالة ، والأصل فيه بالية . قال ابن بري : لم يحذف الألف من قولهم لم أبل تخفيفا ، وإنما حذفت لالتقاء الساكنين . ابن سيده : قال سيبويه وسألت الخليل عن قولهم لم أبل ، فقال : هي من باليت ، ولكنهم لما أسكنوا اللام حذفوا الألف لئلا يلتقي ساكنان ، وإنما فعلوا ذلك بالجزم لأنه موضع حذف ، فلما حذفوا الياء التي هي من نفس الحرف بعد اللام صارت عندهم بمنزلة نون يكن حيث أسكنت ، فإسكان اللام هنا بمنزلة حذف النون من يكن ، وإنما فعلوا هذا بهذين حيث كثر في كلامهم حذف النون والحركات ، وذلك نحو مذ ولد وقد علم ، وإنما الأصل منذ ولدن وقد علم ، وهذا من الشواذ وليس مما يقاس عليه ويطرد ، وزعم أن ناسا من العرب يقولون لم أبله ، لا يزيدون على حذف الألف كما حذفوا علبطا ; حيث كثر الحذف في كلامهم كما حذفوا ألف احمر وألف علبط وواو غد ، وكذلك فعلوا بقولهم بلية كأنها بالية بمنزلة العافية ، ولم يحذفوا لا أبالي لأن الحذف لا يقوى هنا ولا يلزمه حذف ، كما أنهم إذا قالوا لم يكن الرجل فكانت في موضع تحرك لم تحذف ، وجعلوا الألف تثبت مع الحركة ألا ترى أنها لا تحذف في أبالي في غير موضع الجزم ، وإنما تحذف في الموضع الذي تحذف منه الحركة ؟ وهو بذي بلي وبلى وبلى وبلى وبلي وبليان وبليان ، بفتح الباء واللام ، إذا بعد عنك حتى لا تعرف موضعه . وقال ابن جني : قولهم أتى على ذي بليان غير مصروف وهو علم البعد . وفي حديث خالد بن الوليد : أنه قال : إن عمر استعملني على الشام وهو له مهم ، فلما ألقى الشام بوانيه وصار ثنيه عزلني واستعمل غيري ، فقال رجل : هذا والله الفتنة ، فقال خالد : أما وابن الخطاب حي فلا ، ولكن ذاك إذا كان الناس بذي بلي وذي بلى ، قوله : ألقى الشام بوانيه وصار ثنيه أي قر قراره واطمأن أمره ، وأما قوله إذا كان الناس بذي بلي فإن أبا عبيد قال : أراد تفرق الناس وأن يكونوا طوائف وفرقا من غير إمام يجمعهم ، وكذلك كل من بعد عنك حتى لا تعرف موضعه فهو بذي بلي ، وهو من بل في الأرض إذا ذهب ، أراد ضياع أمور الناس بعده ، وفيه لغة أخرى : بذي بليان ; قال : وكان الكسائي ينشد هذا البيت في رجل يطيل النوم :


                                                          تنام ويذهب الأقوام حتى     يقال : أتوا على ذي بليان .



                                                          يعني أنه أطال النوم ومضى أصحابه في سفرهم حتى صاروا إلى الموضع الذي لا يعرف مكانهم من طول نومه ، قال ابن سيده : وصرفه على مذهبه . ابن الأعرابي : يقال فلان بذي بلي وذي بليان إذا كان ضائعا بعيدا عن أهله . وتبلى وبلي : اسما قبيلتين . وبلي : حي من اليمن ، والنسبة إليهم بلوي . الجوهري : بلي ، على فعيل ، قبيلة من قضاعة ، والنسبة إليهم بلوي . والأبلاء : موضع . قال ابن سيده : وليس في الكلام اسم على أفعال إلا الأبواء والأنبار والأبلاء . وبلى : جواب استفهام فيه حرف نفي كقولك : ألم تفعل كذا ؟ فيقول : بلى . وبلى : جواب استفهام معقود بالجحد ، وقيل : يكون جوابا للكلام الذي فيه الجحد كقوله تعالى : ألست بربكم قالوا بلى . التهذيب : وإنما صارت بلى تتصل بالجحد ; لأنها رجوع عن الجحد إلى التحقيق ، فهو بمنزلة بل ، وبل سبيلها أن تأتي بعد الجحد كقولك : ما قام أخوك بل أبوك ، وما أكرمت أخاك بل أباك ; قال : وإذا قال الرجل للرجل ألا تقوم ؟ فقال له : بلى ، أراد بل أقوم ، فزادوا الألف على بل ليحسن السكوت عليها ; لأنه لو قال : بل ، كان يتوقع كلاما بعد بل ، فزادوا الألف ليزول عن المخاطب هذا التوهم ، قال الله تعالى : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ; ثم قال : بلى من كسب سيئة ; والمعنى بل من كسب سيئة ، وقال المبرد : بل حكمها الاستدراك أينما وقعت في جحد أو إيجاب ; قال : وبلى يكون إيجابا للمنفي لا غير . الفراء قال : بل تأتي لمعنيين : تكون إضرابا عن الأول وإيجابا للثاني ، كقولك : عندي له دينار لا بل ديناران ، والمعنى الآخر أنها توجب ما قبلها وتوجب ما بعدها وهذا يسمى الاستدراك ; لأنه أراده فنسيه ثم استدركه . قال الفراء : والعرب تقول بل والله لا آتيك وبن والله ، يجعلون اللام فيها نونا ; قال : وهي لغة بني سعد ولغة كلب ; قال : وسمعت الباهليين يقولون لا بن بمعنى لا بل . ابن سيده : وقوله - عز وجل - : بلى قد جاءتك آياتي ; جاء ببلى التي هي معقودة بالجحد ، وإن لم يكن في الكلام لفظ جحد ; لأن قوله تعالى : لو أن الله هداني ; في قوة الجحد كأنه قال ما هديت فقيل بلى قد جاءتك آياتي ; قال ابن سيده : وهذا محمول على الواو لأن الواو أظهر هنا من الياء ، فحملت ما لم تظهر فيه على ما ظهرت فيه ; قال : وقد قيل إن الإمالة جائزة في بلى ، فإذا كان ذلك فهو من الياء . وقال بعض النحويين : إنما جازت الإمالة في بلى ; لأنها شابهت بتمام الكلام واستقلاله بها وغنائها عما بعدها الأسماء المستقبلة بأنفسها ، فمن حيث جازت إمالة الأسماء جازت أيضا إمالة بلى ، ألا ترى أنك تقول في جواب من [ ص: 154 ] قال : ألم تفعل كذا وكذا : بلى ، فلا تحتاج لكونها جوابا مستقلا إلى شيء بعدها ، فلما قامت بنفسها وقويت لحقت في القوة بالأسماء في جواز إمالتها كما أميل أنى ومتى . الجوهري : بلى جواب للتحقيق يوجب ما يقال لك ; لأنها ترك للنفي ، وهي حرف لأنها نقيضة لا ، قال سيبويه : ليس بلى ونعم ، اسمين ، وقال : بل مخفف حرف ، يعطف بها الحرف الثاني على الأول فيلزمه مثل إعرابه ، وهو الإضراب عن الأول للثاني ، كقولك : ما جاءني زيد بل عمرو ، وما رأيت زيدا بل عمرا ، وجاءني أخوك بل أبوك ، تعطف بها بعد النفي والإثبات جميعا ، وربما وضعوه موضع رب كقول الراجز :


                                                          بل مهمه قطعت بعد مهمه .



                                                          يعني رب مهمه ، كما يوضع الحرف موضع غيره اتساعا ، وقال آخر :


                                                          بل جوز تيهاء كظهر الحجفت .



                                                          وقوله - عز وجل - : ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق ; قال الأخفش عن بعضهم : إن بل ههنا بمعنى إن ، فلذلك صار القسم عليها ; قال : وربما استعملته العرب في قطع كلام واستئناف آخر فينشد الرجل منهم الشعر فيقول :


                                                          بل ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا .



                                                          ويقول :


                                                          بل وبلدة ما الإنس من آهالها .



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية