الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " ولا يحل لكم أيها الرجال ، أن تأخذوا من نسائكم - إذا أنتم أردتم طلاقهن - لطلاقكم وفراقكم إياهن شيئا مما أعطيتموهن من الصداق ، وسقتم إليهن ، بل الواجب عليكم تسريحهن بإحسان ، وذلك إيفاؤهن حقوقهن من الصداق والمتعة وغير ذلك مما يجب لهن عليكم " إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله " . [ ص: 550 ]

قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة ذلك ، فقرأه بعضهم : إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ، وذلك قراءة عظم أهل الحجاز والبصرة بمعنى إلا أن يخاف الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله ، وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب : ( إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله ) .

4806 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : أخبرني ثور عن ميمون بن مهران قال : في حرف أبي بن كعب أن الفداء تطليقة . قال : فذكرت ذلك لأيوب فأتينا رجلا عنده مصحف قديم لأبي خرج من ثقة ، فقرأناه فإذا فيه : ( إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله فإن ظنا ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) .

والعرب قد تضع " الظن " موضع " الخوف " ، " والخوف " موضع " الظن " في كلامها ، لتقارب معنييهما ، كما قال الشاعر :


أتاني كلام عن نصيب يقوله وما خفت يا سلام أنك عائبي

بمعنى : ما ظننت . [ ص: 551 ]

وقرأه آخرون من أهل المدينة والكوفة : ( إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) .

فأما قارئ ذلك كذلك من أهل الكوفة فإنه ذكر عنه أنه قرأه كذلك اعتبارا منه بقراءة ابن مسعود وذكر أنه في قراءة ابن مسعود : ( إلا أن تخافوا ألا يقيما حدود الله ) . وقراءة ذلك كذلك ، اعتبارا بقراءة ابن مسعود التي ذكرت عنه خطأ ، وذلك أن ابن مسعود إن كان قرأه كما ذكر عنه ، فإنما أعمل الخوف في " أن " وحدها ، وذلك غير مدفوع صحته ، كما قال الشاعر :


إذا مت فادفني إلى جنب كرمة     تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني بالفلاة فإنني     أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها

فأما قارئه : " إلا أن يخافا " بذلك المعنى ، فقد أعمل في متروكة تسميته ، وفي " أن " - فأعمله في ثلاثة أشياء : المتروك الذي هو اسم ما لم يسم فاعله ، وفي " أن " التي تنوب عن شيئين ، ولا تقول العرب في كلامها : " ظنا أن يقوما " .

ولكن قراءة ذلك كذلك صحيحة ، على غير الوجه الذي قرأه من ذكرنا قراءته كذلك ، اعتبارا بقراءة عبد الله الذي وصفنا ، ولكن على أن يكون مرادا به إذا [ ص: 552 ] قرئ كذلك : إلا أن يخاف بأن لا يقيما حدود الله - أو على أن لا يقيما حدود الله ، فيكون العامل في " أن " غير " الخوف " ، ويكون " الخوف " ، عاملا فيما لم يسم فاعله . وذلك هو الصواب عندنا من القراءة لدلالة ما بعده على صحته ، وهو قوله : فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ، فكان بينا أن الأول بمعنى : إلا أن تخافوا أن لا يقيما حدود الله .

فإن قال قائل : وأية حال الحال التي يخاف عليهما أن لا يقيما حدود الله ، حتى يجوز للرجل أن يأخذ حينئذ منها ما آتاها؟

قيل : حال نشوزها وإظهارها له بغضته ، حتى يخاف عليها ترك طاعة الله فيما لزمها لزوجها من الحق ، ويخاف على زوجها - بتقصيرها في أداء حقوقه التي ألزمها الله له - تركه أداء الواجب لها عليه . فذلك حين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله فيطيعاه فيما ألزم كل واحد منهما لصاحبه ، والحال التي أباح النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس أخذ ما كان آتى زوجته إذ نشزت عليه ، بغضا منها له ، كما : -

4807 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال : قرأت على فضيل عن أبي حريز أنه سأل عكرمة هل كان للخلع أصل؟ قال : كان ابن عباس يقول : إن أول خلع كان في الإسلام ، أخت عبد الله بن أبي أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا! إني رفعت جانب الخباء ، فرأيته أقبل في عدة ، فإذا هو أشدهم سوادا ، وأقصرهم قامة ، وأقبحهم وجها! قال زوجها : يا رسول الله ، إني أعطيتها أفضل مالي! حديقة ، فإن ردت علي حديقتي! قال : " ما تقولين؟ " قالت : نعم [ ص: 553 ] وإن شاء زدته! قال : ففرق بينهما . [ ص: 554 ]

4808 - حدثني محمد بن معمر قال : حدثنا أبو عامر قال : حدثنا أبو عمرو السدوسي عن عبد الله - يعني ابن أبي بكر - عن عمرة عن عائشة : أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس فضربها فكسر نغضها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصبح ، فاشتكته ، فدعا رسول الله ثابتا فقال : خذ بعض مالها وفارقها . قال : ويصلح ذاك يا رسول الله؟ قال : نعم . قال : فإني أصدقتها حديقتين ، وهما بيدها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " خذهما وفارقها . ففعل . [ ص: 555 ]

4809 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا روح قال : حدثنا مالك عن يحيى عن عمرة أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية : أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآها عند بابه بالغلس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه؟ قالت : أنا حبيبة بنت سهل لا أنا ، ولا ثابت بن قيس !! لزوجها ، فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهذه حبيبة بنت سهل تذكر ما شاء الله أن تذكر! . فقالت حبيبة : يا رسول الله ، كل ما أعطانيه عندي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ منها . فأخذ منها ، وجلست في بيتها . [ ص: 556 ]

4810 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسن بن واقد عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن جميلة بنت أبي ابن سلول أنها كانت عند ثابت بن قيس فنشزت عليه ، فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " يا جميلة ما كرهت من ثابت؟ قالت : والله ما كرهت منه دينا ولا خلقا ، إلا أني كرهت دمامته! فقال لها : أتردين الحديقة " قالت : نعم! فردت الحديقة وفرق بينهما .

قال أبو جعفر : وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في شأنهما - أعني في شأن ثابت بن قيس وزوجته هذه . [ ص: 557 ]

4811 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج قال : نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس وفي حبيبة قال : وكانت اشتكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تردين عليه حديقته؟ فقالت : نعم! فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : ويطيب لي ذلك؟ قال : " نعم " ، قال ثابت : قد فعلت فنزلت : " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها " .

وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في معنى " الخوف " منهما أن لا يقيما حدود الله .

فقال بعضهم : ذلك هو أن يظهر من المرأة سوء الخلق والعشرة لزوجها ، فإذا ظهر ذلك منها له ، حل له أن يأخذ ما أعطته من فدية على فراقها .

ذكر من قال ذلك :

4812 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " ، إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها ، فتدعوك إلى أن تفتدي منك ، فلا جناح عليك فيما افتدت به .

4813 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : قال ابن جريج : أخبرني هشام بن عروة أن عروة كان يقول : لا يحل الفداء حتى يكون الفساد من قبلها ، ولم يكن يقول : " لا يحل له " ، حتى تقول : " لا أبر لك قسما ، ولا أغتسل لك من جنابة " .

4814 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن ابن جريج قال [ ص: 558 ] أخبرني عمرو بن دينار قال : قال جابر بن زيد : إذا كان الشر من قبلها حل الفداء .

4815 - حدثنا الربيع بن سليمان قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة أن أباه كان يقول إذا كان سوء الخلق وسوء العشرة من قبل المرأة فذاك يحل خلعها .

4816 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا محمد بن كثير عن حماد عن هشام عن أبيه أنه قال : لا يصلح الخلع ، حتى يكون الفساد من قبل المرأة .

4817 - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد قال : حدثنا محمد بن يزيد عن إسماعيل عن عامر في امرأة قالت لزوجها : لا أبر لك قسما ، ولا أطيع لك أمرا ، ولا أغتسل لك من جنابة! قال : ما هذا - وحرك يده - " لا أبر لك قسما ، ولا أطيع لك أمرا " !! إذا كرهت المرأة زوجها فليأخذه وليتركها .

4818 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير أنه قال في المختلعة : يعظها ، فإن انتهت وإلا هجرها ، فإن انتهت وإلا ضربها ، فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان ، فيبعث حكما من أهله وحكما من أهلها ، فيقول الحكم الذي من أهلها : تفعل بها كذا وتفعل بها كذا! ويقول الحكم الذي من أهله : تفعل به كذا وتفعل به كذا . فأيهما كان أظلم رده السلطان وأخذ فوق يده ، وإن كانت ناشزا أمره أن يخلع .

4819 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف " إلى قوله : " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " . قال : إذا كانت المرأة راضية مغتبطة مطيعة ، فلا يحل له أن يضربها ، حتى تفتدي منه . فإن أخذ منها شيئا على ذلك ، فما أخذ منها فهو حرام ، وإذا كان النشوز والبغض والظلم من قبلها ، فقد حل له أن يأخذ منها ما افتدت به . [ ص: 559 ]

4820 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري في قوله : " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله " قال : لا يحل للرجل أن يخلع امرأته إلا أن تؤتى ذلك منها ، فأما أن يكون يضارها حتى تختلع ، فإن ذلك لا يصلح ، ولكن إذا نشزت فأظهرت له البغضاء ، وأساءت عشرته ، فقد حل له خلعها .

4821 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال : حدثنا يزيد قال : أخبرنا جويبر عن الضحاك في قوله : " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " ، قال : الصداق " إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله " - وحدود الله أن تكون المرأة ناشزة ، فإن الله أمر الزوج أن يعظها بكتاب الله ، فإن قبلت وإلا هجرها ، والهجران أن لا يجامعها ولا يضاجعها على فراش واحد ، ويوليها ظهره ولا يكلمها ، فإن أبت غلظ عليها القول بالشتيمة لترجع إلى طاعته ، فإن أبت فالضرب ضرب غير مبرح ، فإن أبت إلا جماحا فقد حل له منها الفدية .

وقال آخرون : بل " الخوف " من ذلك : أن لا تبر له قسما ، ولا تطيع له أمرا ، وتقول : لا أغتسل لك من جنابة ، ولا أطيع لك أمرا فحينئذ يحل له عندهم أخذ ما آتاها على فراقه إياها .

ذكر من قال ذلك :

4822 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه قال : قال الحسن : إذا قالت : " لا أغتسل لك من جنابة ، ولا أبر لك قسما ، ولا أطيع لك أمرا " ، فحينئذ حل الخلع .

4823 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن قال : إذا قالت المرأة لزوجها : لا أبر لك قسما ، ولا أطيع [ ص: 560 ] لك أمرا ، ولا أغتسل لك من جنابة ، ولا أقيم حدا من حدود الله " ، فقد حل له مالها .

4824 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون بن المغيرة عن عنبسة عن محمد بن سالم قال : سألت الشعبي قلت : متى يحل للرجل أن يأخذ من مال امرأته؟ قال : إذا أظهرت بغضه وقالت : " لا أبر لك قسما ، ولا أطيع لك أمرا " .

4825 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي أنه كان يعجب من قول من يقول : لا تحل الفدية حتى تقول : " لا أغتسل لك من جنابة " . وقال : إن الزاني يزني ثم يغتسل ! .

4826 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن مغيرة عن حماد عن إبراهيم في الناشز قال : إن المرأة ربما عصت زوجها ، ثم أطاعته ، ولكن إذا عصته فلم تبر قسمه ، فعند ذلك تحل الفدية .

4827 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " ، لا يحل له أن يأخذ من مهرها شيئا " إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله " فإذا لم يقيما حدود الله ، فقد حل له الفداء ، وذلك أن تقول : " والله لا أبر لك قسما ، ولا أطيع لك أمرا ، ولا أكرم لك نفسا ، ولا أغتسل لك من جنابة " ، فهو حدود الله ، فإذا قالت المرأة ذلك فقد حل الفداء للزوج أن يأخذه ويطلقها .

4828 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام قال : حدثنا عنبسة عن علي بن بذيمة عن مقسم في قوله : ( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يفحشن ) [ سورة النساء : 19 ] ، في قراءة ابن مسعود قال : إذا عصتك وآذتك ، فقد حل لك ما أخذت منها . [ ص: 561 ]

4829 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله : " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " ، قال : الخلع ، قال : ولا يحل له إلا أن تقول المرأة : " لا أبر قسمه ولا أطيع أمره " ، فيقبله خيفة أن يسيء إليها إن أمسكها ، ويتعدى الحق .

وقال آخرون : بل " الخوف " من ذلك أن تبتدئ له بلسانها قولا أنها له كارهة .

ذكر من قال ذلك :

4830 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال : حدثنا أبي وشعيب بن الليث عن الليث عن أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح قال : يحل الخلع أن تقول المرأة لزوجها : " إني لأكرهك ، وما أحبك ، ولقد خشيت أن أنام في جنبك ولا أؤدي حقك " - وتطيب نفسا بالخلع .

وقال آخرون : بل الذي يبيح له أخذ الفدية ، أن يكون خوف أن لا يقيما حدود الله منهما جميعا لكراهة كل واحد منهما صحبة الآخر .

ذكر من قال ذلك :

4831 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا داود عن عامر حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن داود قال : قال [ ص: 562 ] عامر : أحل له مالها بنشوزه ونشوزها .

4832 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : قال ابن جريج قال طاوس : يحل له الفداء ما قال الله تعالى ذكره ولم يكن يقول قول السفهاء : " لا أبر لك قسما " ، ولكن يحل له الفداء ما قال الله تعالى ذكره : " إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله " فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة .

4833 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن محمد بن إسحاق قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : " إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله " قال : فيما افترض الله عليهما في العشرة والصحبة .

4834 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني ابن شهاب قال : أخبرني سعيد بن المسيب قال : لا يحل الخلع حتى يخافا أن لا يقيما حدود الله في العشرة التي بينهما .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال : لا يحل للرجل أخذ الفدية من امرأته على فراقه إياها ، حتى يكون خوف معصية الله من كل واحد منهما على نفسه - في تفريطه في الواجب عليه لصاحبه - منهما جميعا ، على ما ذكرناه عن طاوس والحسن ومن قال في ذلك قولهما; لأن الله تعالى ذكره إنما أباح للزوج أخذ الفدية من امرأته ، عند خوف المسلمين عليهما أن لا يقيما حدود الله .

فإن قال قائل : فإن كان الأمر على ما وصفت فالواجب أن يكون حراما على الرجل قبول الفدية منها إذا كان النشوز منها دونه ، حتى يكون منه من الكراهة لها مثل الذي يكون منها؟ [ ص: 563 ] قيل له : إن الأمر في ذلك بخلاف ما ظننت ، وذلك أن في نشوزها عليه داعية له إلى التقصير في واجبها ومجازاتها بسوء فعلها به ، وذلك هو المعنى الذي يوجب للمسلمين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله . فأما إذا كان التفريط من كل واحد منهما في واجب حق صاحبه قد وجد ، وسوء الصحبة والعشرة قد ظهر للمسلمين ، فليس هناك للخوف موضع ، إذ كان المخوف قد وجد . وإنما يخاف وقوع الشيء قبل حدوثه ، فأما بعد حدوثه فلا وجه للخوف منه ولا الزيادة في مكروهه .

التالي السابق


الخدمات العلمية