الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان في هذه المأمورات؛ والمنهيات؛ خروج عن المألوفات؛ وكانت الصلاة أوثق عرى الدين؛ وكان قد عبر عنها بالإيمان؛ الذي هو أصل الدين؛ وأساس الأعمال؛ عطف عليها قوله - تذكيرا بما يوجب القبول والانقياد -: واذكروا ؛ أي ذكر اتعاظ؛ وتأمل؛ واعتبار.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المقصود من الإنعام غايته؛ قال: نعمة الله ؛ أي: الملك الأعلى؛ عليكم ؛ أي في هدايته لكم إلى الإسلام؛ بعد أن كنتم على شفا حفرة من النار؛ فأنقذكم منها؛ وفي غير ذلك من جميع النعم؛ وإنما [ ص: 39 ] لم تجمع لئلا يظن أن المقصود تعداد النعم؛ لا الندب إلى الشكر؛ بتأمل أن هذا الجنس لا يقدر عليه غيره - سبحانه -؛ وعظم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يستحقه؛ بجعل فعله - سبحانه - فعله - صلى الله عليه وسلم - فقال: وميثاقه ؛ أي عقده الوثيق؛ الذي واثقكم به ؛ أي بواسطة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ حين بايعكم ليلة العقبة على السمع؛ والطاعة؛ في العسر؛ واليسر؛ والمنشط والمكره؛ إذ ؛ أي: حين؛ قلتم سمعنا وأطعنا ؛ وفي ذلك تحذير من مثل ما أراد بهم شأس بن قيس؛ وتذكير بما أوجب له - صلى الله عليه وسلم - عليهم؛ من الشكر بهدايته لهم إلى الإسلام؛ المثمر لالتزام تلك العهود ليلة العقبة؛ الموجبه للوفاء الموعود عليه الجنة؛ والتفات إلى قوله - أول السورة -: أوفوا بالعقود ؛ وحديث إسباغ الوضوء على المكاره مبين لحسن هذا التناسب.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان أمر الوفاء بالعهد صعبا؛ لا يقوم به إلا من صدقت عريقته؛ وصلحت سريرته؛ وإنما يحمل عليه مخافة الله؛ قال: واتقوا الله ؛ أي: اجعلوا بينكم وبين ما يغضب الملك الأعظم؛ الذي يفعل ما يشاء؛ من نقض العهد وقاية من حسن القيام؛ لتكونوا في أعلى درجات وعيه؛ ثم علل ذلك؛ مرغبا؛ مرهبا؛ بقوله: إن الله ؛ أي: الذي له صفات الكمال؛ عليم ؛ أي: بالغ العلم؛ بذات الصدور ؛ أي: أحوالها؛ من سرائرها؛ [ ص: 40 ] - وإن كان صاحبها لم يعلمها؛ لكونها لم تبرز إلى الوجود -؛ وعلانيتها - وإن كان صاحبها قد نسيها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية