الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا

                                                          الواو هنا قال بعض المفسرين: إنها عاطفة على قوله تعالى: فاجتنبوه لعلكم تفلحون ويكون قوله: إنما يريد في مقام التعليل للنهي، وقوله: فهل أنتم منتهون في مقام تأكيد النهي أو تأكيد معناه، ويكون الكلام كله في مساق واحد، ويكون قوله تعالى: وأطيعوا الله في مقام تأكيد المنهيات السابقة وغيرها، وكان ذلك كله لمقام تأثر العرب بالخمر، وتعلقهم السابق بها، فاقترن بها الأمر بالإطاعة، وتحميلهم التبعة، والأكثرون لم يذكروا أن الواو عاطفة، ومفهوم كلامهم أنها استئنافية، والمؤدى واحد؛ لأن في ذكرها عقب تحريم الخمر بالأمر العام بالطاعة تأكيدا للنهي وتوثيقا له.

                                                          وأمر سبحانه بإطاعة الله، ثم أمر بإطاعة الرسول مع أن إطاعتهما واحدة.

                                                          لقوله تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع الله ولأن النبي يتكلم عن الله سبحانه وتعالى، فقد قال تعالى: وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى

                                                          وكرر سبحانه الأمر بالطاعة لتأكيد الدعوة إلى الطاعة، وتشريف الرسول، وتأكيد رسالته بذكر طاعته بجوار طاعة الله تعالى: [ ص: 2350 ] فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين نبههم الله سبحانه وتعالى إلى وجوب طاعة الله وطاعة رسوله، وأن يحذروا غضب الله تعالى وعذابه، واقتران الحذر بوجوب الطاعة فيه تنبيه إلى ضرورة اجتناب الخمر التي تصد عن ذكر الله تعالى، وتميت الضمير، وتخفت صوت الوجدان، وتسهل الاندفاع وتمنع الحذر.

                                                          وفي هذا النص الكريم تأكيد لمعنى التحذير السابق، وتنبيه إلى سوء العاقبة، والمعنى: إن أعرضتم عن الطاعة، وتجنبتم الحذر، ووقعتم في المحظور، وغفلتم عن المأمور به فقد وقعتم في الخطيئة، وستحاسبون عليها حسابا عسيرا، واعلموا أنه على رسولنا البلاغ الواضح المبين للحقائق والواجبات، فقوله تعالى: فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين مبني عن جواب شرط مقدر ينبئ عن تحملهم وحدهم لتبعة إجرامهم ومعاندتهم لربهم مثل قوله تعالى: قل من كان عدوا لجبريل فإنه نـزله على قلبك بإذن الله أي: فإنه عدو لله; لأنه نزله على قلبك بإذن الله، فالرسول مبين للحق، وليس مسؤولا عن إيمان من يبين لهم، كقوله تعالى: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد

                                                          وكقوله: إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر

                                                          وفي إضافة الرسول إليه في قوله: على رسولنا تشريف للرسول وتوكيد لإقراره سبحانه، وبيان أن الرسول ما ينطق إلا عنه، وأن عصيانه عصيان لله تعالى، وفي التعبير بقوله تعالى: فاعلموا تنبيه بصيغة الأمر، ليتعظوا ويتحملوا تبعة أعمالهم، ويكونوا في حذر مستمر، والله الهادي.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية