الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل في تعارض العرف مع اللغة

                حكى صاحب الكافي وجهين في المقدم أحدهما - وإليه ذهب القاضي حسين - : الحقيقة اللفظية عملا بالوضع اللغوي .

                [ ص: 94 ] والثاني - وعليه البغوي - : الدلالة العرفية لأن العرف يحكم في التصرفات سيما في الأيمان . قال : فلو دخل دار صديقه ، فقدم إليه طعاما فامتنع . فقال إن لم تأكل فامرأتي طالق فخرج ولم يأكل ، ثم قدم اليوم الثاني ، فقدم إليه ذلك الطعام فأكل فعلى الأول لا يحنث ، وعلى الثاني يحنث ، انتهى .

                وقال الرافعي في الطلاق : إن تطابق العرف والوضع فذاك . وإن اختلفا فكلام الأصحاب يميل إلى الوضع ، والإمام والغزالي يريان اعتبار العرف . وقال في الأيمان ما معناه إن عمت اللغة قدمت على العرف .

                وقال غيره : إن كان العرف ليس له في اللغة وجه ألبتة ، فالمعتبر اللغة ، وإن كان له فيه استعمال ، ففيه خلاف وإن هجرت اللغة حتى صارت نسيا منسيا ، قدم العرف .

                ومن الفروع المخرجة على ذلك : حلف لا يسكن بيتا ، فإن كان بدويا حنث بالمبني وغيره لأنه قد تظاهر فيه العرف الكل واللغة لأن يسمونه بيتا ، وإن كان من أهل القرى : فوجهان ، بناء على الأصل المذكور إن اعتبرنا العرف لم يحنث والأصح الحنث .

                ومنها : حلف لا يشرب ماء حنث بالمالح ، وإن لم يعتد شربه ، اعتبارا بالإطلاق ، والاستعمال اللغوي .

                ومنها : حلف لا يأكل الخبز حنث بخبز الأرز ، وإن كان من قوم لا يتعارفون ذلك لإطلاق الاسم عليه لغة .

                ومنها : قال أعطوه بعيرا ، لا يعطى ناقة على المنصوص ، وقال ابن شريح : نعم لاندراجه فيها لغة . ومنها ، قال أعطوه دابة ، أعطي فرسا أو بغلا أو حمارا على المنصوص ، لا الإبل والبقر ; إذ لا يطلق عليها عرفا وإن كان يطلق عليه لغة ، وقال ابن شريح : إن كان ذلك في غير مصر لم يدفع إليه إلا الفرس .

                ومنها : حلف لا يأكل البيض أو الرءوس ; لم يحنث ببيض ، السمك والجراد ، ولا برءوس العصافير والحيتان لعدم إطلاقها عليها عرفا .

                ومنها قال : زوجتي طالق ، لم تطلق سائر زوجاته عملا بالعرف وإن كان وضع اللغة يقتضي ذلك ; لأن اسم الجنس إذا أضيف عم ، وكذلك قوله : الطلاق يلزمني لا يحمل على الثلاث وإن كانت الألف واللام للعموم .

                ومنها : أوصى للقراء ، فهل يدخل من لا يحفظ ويقرأ في المصحف ، أو لا ؟ وجهان ينظر في أحدهما إلى الوضع ، وفي الثاني إلى العرف وهو الأظهر .

                ومنها : أوصى للفقهاء فهل يدخل الخلافيون والمناظرون . قال في الكافي : يحتمل وجهين لتعارض العرف والحقيقة .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية