الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 278 ] النوع الثامن والعشرون .

في معرفة الوقف والابتداء .

أفرده بالتصنيف خلائق ، منهم أبو جعفر النحاس ، وابن الأنباري ، والزجاج ، والداني ، والعماني ، والسجاوندي ، وغيرهم .

وهو فن جليل ، به يعرف كيف أداء القراءة .

والأصل فيه : ما أخرجه النحاس قال : حدثنا محمد بن جعفر الأنباري ، حدثنا هلال بن العلاء ، حدثنا أبي وعبد الله بن جعفر ، قالا : حدثنا عبد الله بن عمرو الزرقي ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن القاسم بن عوف البكري ، قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : لقد عشنا برهة من دهرنا ، وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة على محمد - صلى الله عليه وسلم - فنتعلم حلالها وحرامها ، وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم ، ولقد رأينا اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ، ما يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه .

قال النحاس : فهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون الأوقاف كما يتعلمون القرآن .

وقول ابن عمر : ( لقد عشنا برهة من دهرنا ) يدل على أن ذلك إجماع من الصحابة ثابت .

قلت : أخرج هذا الأثر البيهقي في سننه .

وعن علي في قوله تعالى : ورتل القرآن ترتيلا [ المزمل : 4 ] قال : الترتيل : تجويد الحروف ومعرفة الوقوف .

قال ابن الأنباري : من تمام معرفة القرآن معرفة الوقف والابتداء فيه .

[ ص: 279 ] وقال النكزاوي : باب الوقف عظيم القدر ، جليل الخطر ; لأنه لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن ولا استنباط الأدلة الشرعية منه إلا بمعرفة الفواصل .

وفي " النشر " لابن الجزري : لما لم يمكن القارئ أن يقرأ السورة أو القصة في نفس واحد ، ولم يجز التنفس بين كلمتين حالة الوصل ، بل ذلك كالتنفس في أثناء الكلمة ، وجب حينئذ اختيار وقفة للتنفس والاستراحة ، وتعين ارتضاء ابتداء بعده ، ويتحتم ألا يكون ذلك مما يحيل المعنى ولا يخل بالفهم ، إذ بذلك يظهر الإعجاز ، ويحصل القصد ، ولذلك حض الأئمة على تعلمه ومعرفته .

وفي كلام علي دليل على وجوب ذلك ، وفي كلام ابن عمر برهان على أن تعلمه إجماع من الصحابة .

وصح - بل تواتر - عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبي جعفر يزيد بن القعقاع أحد أعيان التابعين ، وصاحبه الإمام نافع ، وأبي عمرو ، ويعقوب ، وعاصم ، وغيرهم من الأئمة ; وكلامهم في ذلك معروف ، ونصوصهم عليه مشهورة في الكتب .

ومن ثم اشترط كثير من الخلف على المجيز أن لا يجيز أحدا إلا بمعرفته الوقف والابتداء .

وصح عن الشعبي أنه قال : إذا قرأت : كل من عليها فان فلا تسكت حتى تقرأ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [ الرحمن : 26 - 27 ] .

قلت أخرجه ابن أبي حاتم .

التالي السابق


الخدمات العلمية