الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب

                                                                                                                                                                                                                                      4 - يسألونك في السؤال معنى القول، فلذا وقع بعده ماذا أحل لهم كأنه قيل: يقولون لك: ماذا أحل لهم وإنما لم يقل: ماذا أحل لنا؟ حكاية لما قالوا; لأن "يسألونك" بلفظ الغيبة، كقولك: أقسم زيد ليفعلن، ولو قيل: لأفعلن، وأحل لنا لكان صوابا. و "ماذا" مبتدأ، و أحل لهم خبره، كقولك: أي شيء أحل لهم؟ ومعناه: ماذا أحل لهم من المطاعم. كأنهم حين تلا عليهم ما حرم عليهم من خبيثات المآكل، سألوا عما أحل لهم منها، فقال: قل أحل لكم الطيبات أي: ما ليس بخبيث منها، أو هو كل ما لم يأت تحريمه في كتاب الله، أو سنة، أو إجماع، أو قياس. وما علمتم عطف على الطيبات، أي: أحل لكم الطيبات، وصيد ما علمتم، فحذف المضاف، أو تجعل "ما" شرطية وجوابها "فكلوا" من الجوارح أي: الكواسب للصيد من سباع البهائم والطير، كالكلب، والفهد، والعقاب، والصقر، والبازي، [ ص: 428 ] والشاهين. وقيل: هي من الجراحة، فيشترط للحل الجرح مكلبين حال من علمتم، وفائدة هذه الحال - مع أنه استغنى عنها بـ "علمتم"- أن يكون من يعلم الجوارح موصوفا بالتكليب. والمكلب مؤدب الجوارح ومعلمها، مشتق من الكلب; لأن التأديب في الكلاب أكثر، فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه، أو لأن السبع يسمى كلبا، ومنه الحديث: "اللهم سلط عليه كلبا من كلابك" فأكله الأسد تعلمونهن حال، أو استئناف، ولا موضع له. وفيه دليل على أن على كل آخذ علما على ألا يأخذه إلا من أقتل أهله علما، وأنحرهم دراية، فكم من آخذ من غير متقن قد ضيع أيامه، وعض عند لقاء النحارير أنامله؟! مما علمكم الله من التكليب فكلوا مما أمسكن عليكم الإمساك على صاحبه ألا يأكل منه، فإن أكل منه لم يؤكل إذا كان صيد كلب ونحوه، فأما صيد البازي ونحوه فأكله لا يحرمه، وقد عرف في موضعه، والضمير في واذكروا اسم الله عليه يرجع إلى " ما أمسكن " على معنى: وسموا عليه إذا أدركتم ذكاته. أو إلى " ما علمتم من الجوارح " أي: سموا عليه عند إرساله واتقوا الله واحذروا مخالفة أمره في هذا كله إن الله سريع الحساب إنه محاسبكم على أفعالكم، ولا يلحقه فيه لبث.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية