الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب الخروج من الصلاة بالسلام

                                                                                                                                            795 - ( عن ابن مسعود { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره : السلام [ ص: 345 ] عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده } . رواه الخمسة وصححه الترمذي ) .

                                                                                                                                            796 - ( وعن عامر بن سعد عن أبيه قال : { كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده } . رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث الأول أخرجه أيضا الدارقطني وابن حبان وله ألفاظ وأصله في صحيح مسلم . قال العقيلي : والأسانيد صحاح ثابتة في حديث ابن مسعود في تسليمتين ، ولا يصح في تسليمة واحدة شيء . والحديث الثاني أخرجه أيضا البزار والدارقطني وابن حبان قال البزار : روي عن سعد من غير وجه .

                                                                                                                                            وفي الباب أحاديث فيها ذكر التسليمتين . منها عن عمار عند ابن ماجه والدارقطني . وعن البراء عند ابن أبي شيبة في مصنفه والدارقطني أيضا . وعن سهل بن سعد عند أحمد وفيه ابن لهيعة . وعن حذيفة عند ابن ماجه وعن عدي بن عميرة عند ابن ماجه أيضا وإسناده حسن . وعن طلق بن علي عند أحمد والطبراني وفيه ملازم بن عمرو . وعن المغيرة عند المعمري في اليوم والليلة والطبراني ، قال الحافظ : وفي إسناده نظر .

                                                                                                                                            وعن واثلة بن الأسقع عند الشافعي وإسناده ضعيف . وعن وائل بن حجر عند أبي داود والطبراني من طريق ابنه عبد الجبار ولم يسمع منه . وعن يعقوب بن الحصين عند أبي نعيم في المعرفة ، وفيه عبد الوهاب بن مجاهد وهو متروك ، وعن أبي رمثة عند الطبراني وابن منده قال الحافظ : وفي إسناده نظر .

                                                                                                                                            وعن أبي موسى عند أحمد وابن ماجه . وعن سمرة وسيأتي وعن جابر بن سمرة وسيأتي أيضا ، وهذه الأحاديث تدل على مشروعية التسليمتين ، وقد حكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعلي وابن مسعود وعمار بن ياسر ونافع بن عبد الحارث من الصحابة . وعن عطاء بن أبي رباح وعلقمة والشعبي وأبي عبد الرحمن السلمي من التابعين وعن أحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي ، قال ابن المنذر : وبه أقول ، وحكاه في البحر عن الهادي والقاسم وزيد بن علي والمؤيد بالله من أهل البيت

                                                                                                                                            وإليه ذهب الشافعي كما قال النووي . وذهب إلى أن المشروع تسليمة واحدة ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة من الصحابة والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز من التابعين ومالك والأوزاعي والإمامية وأحد قولي الشافعي وغيرهم . وذهب عبد الله بن موسى بن جعفر من أهل البيت إلى أن الواجب ثلاث يمينا وشمالا وتلقاء وجهه . واختلف القائلون بمشروعية التسليمتين هل الثانية واجبة أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى استحبابها

                                                                                                                                            قال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة . وقال النووي في شرح مسلم : أجمع العلماء الذين يعتد بهم [ ص: 346 ] على أنه لا يجب إلا تسليمة واحدة ، وحكى الطحاوي وغيره عن الحسن بن صالح أنه أوجب التسليمتين جميعا وهي رواية عن أحمد ، وبها قال بعض أصحاب مالك ، ونقله ابن عبد البر عن بعض أصحاب الظاهر ، وإلى ذلك ذهبت الهادوية ، وسيأتي الكلام على وجوب التسليمة أو التسليمتين أو عدم ذلك في باب كون السلام فرضا ، وسنتكلم ههنا في مجرد المشروعية من غير نظر إلى الوجوب فنقول : احتج القائلون بمشروعية التسليمتين بالأحاديث المتقدمة

                                                                                                                                            واحتج القائلون بمشروعية الواحدة فقط بالأحاديث التي سيأتي ذكرها في باب من اجتزأ بتسليمة واحتج القائل بمشروعية ثلاث بأن في ذلك جمعا بين الروايات ، والحق ما ذهب إليه الأولون لكثرة الأحاديث الواردة بالتسليمتين وصحة بعضها وحسن بعضها واشتمالها على الزيادة وكونها مثبتة ، بخلاف الأحاديث الواردة بالتسليمة الواحدة ، فإنها مع قلتها ضعيفة لا تنتهض للاحتجاج كما ستعرف ذلك ، ولو سلم انتهاضها لم تصلح لمعارضة أحاديث التسليمتين لما عرفت من اشتمالها على الزيادة

                                                                                                                                            ، وأما القول بمشروعية ثلاث فلعل القائل به ظن أن التسليمة الواحدة الواردة في الباب الذي سيأتي غير التسليمتين المذكورة في هذا الباب ، فجمع بين الأحاديث بمشروعية الثلاث وهو فاسد . وأفسد منه ما رواه في البحر عن البعض من أن المشروع واحدة في المسجد الصغير وثنتان في المسجد الكبير

                                                                                                                                            قوله : ( عن يمينه وعن يساره ) فيه مشروعية أن يكون التسليم إلى جهة اليمين ثم إلى جهة اليسار . قال النووي : لو سلم التسليمتين عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه ، أو الأولى عن يساره والثانية عن يمينه صحت صلاته وحصلت التسليمتان ولكن فاتته الفضيلة في كيفيتهما

                                                                                                                                            قوله : ( السلام عليكم ورحمة الله ) زاد أبو داود من حديث وائل " وبركاته " . وأخرجها أيضا ابن حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود وكذلك ابن ماجه من حديثه . قال الحافظ : في التلخيص فيتعجب من ابن الصلاح حيث يقول : إن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث إلا في رواية وائل بن حجر ، وقد ذكر لها الحافظ طرقا كثيرة في تلقيح الأفكار تخريج الأذكار لما قال النووي : إن زيادة " وبركاته " رواية فردة ثم قال الحافظ بعد أن ساق تلك الطرق : فهذه عدة طرق تثبت بها وبركاته ، بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ إنها رواية فردة انتهى وقد صحح أيضا في بلوغ المرام حديث وائل المشتمل على تلك الزيادة . قوله : ( حتى يرى بياض خده ) بضم الياء المثناة من تحت من قوله يرى مبنيا للمجهول ، كذا قال ابن رسلان ، وبياض بالرفع على النيابة .

                                                                                                                                            وفيه دليل على المبالغة في الالتفات إلى جهة اليمين وإلى جهة اليسار ، وزاد النسائي فقال : { عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن ، وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر } وفي رواية له { حتى يرى بياض خده من هنا وبياض خده من ههنا } . [ ص: 347 ]

                                                                                                                                            797 - ( وعن جابر بن سمرة قال { : كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله ، وأشار بيده إلى الجانبين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علام تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه يسلم على أخيه من على يمينه وشماله } . رواه أحمد ومسلم ، وفي رواية : { كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما بال هؤلاء يسلمون بأيديهم كأنها أذناب خيل شمس إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يقول : السلام عليكم السلام عليكم } . رواه النسائي ) .

                                                                                                                                            الحديث أخرجه أيضا أبو داود قوله : ( علام تومئون ) في رواية أبي داود بلفظ " ما بال أحدكم يرمي بيده " بالراء ، قال ابن الأثير : إن صحت الرواية بالراء ولم يكن تصحيفا للواو فقد جعل الرمي باليد موضع الإيماء بها لجواز ذلك في اللغة ، يقول : رميت ببصري إليك أي مددته ، ورميت إليك بيدي : أي أشرت بها . قال : والرواية المشهورة رواية مسلم " علام تومئون " بهمزة مضمومة بعد الميم ، والإيماء : الإشارة ، أو ما يومئ إيماء وهم يومئون مهموزا ، ولا تقل أوميت بياء ساكنة قاله الجوهري . قال ابن الأثير : وقد جاء في رواية الشافعي يومئون الميم بلا همزة ، فإن صحت الرواية يكون قد أبدل من الهمزة ياء ، فلما قلبت الهمزة ياء صارت يومي ، فلما لحقه ضمير الجماعة كان القياس يوميون فثقلت الياء وقبلها كسرة فحذفت ونقلت ضمتها إلى الميم فقيل يومون

                                                                                                                                            قوله : ( أذناب خيل شمس ) بإسكان الميم وضمها مع ضم الشين المعجمة جمع شموس بفتح الشين وهو من الدواب النفور الذي يمتنع على راكبه ، ومن الرجال : صعب الخلق . قوله : ( من على يمينه وشماله ) في رواية أبي داود " من عن يمينه ومن عن شماله " وهو من الأدلة على مشروعية التسليمتين ، وقد قدمنا الكلام على ذلك

                                                                                                                                            قوله : ( ثم يقول : السلام عليكم ) قال المصنف رحمه الله: وهو دليل على أنه إذا لم يقل ورحمة الله أجزأه انتهى . والأحاديث المتقدمة مشتملة على زيادة ورحمة الله وبركاته ، فلا يتم الإتيان بالمشروع إلا بذلك . وأما الإجزاء وعدمه فينبني على القول بالوجوب وعدمه ، وسيأتي ذلك .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية