الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الخلاف في اجتماع العشر والخراج فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر : { لا يجتمعان } . وقال مالك والثوري والحسن بن صالح وشريك والشافعي : { إذا كانت أرض خراج فعليه العشر في الخارج والخراج في الأرض } . والدليل على أنهما لا يجتمعان أن عمر بن الخطاب لما فتح السواد وضع على الأرض الخراج ولم يأخذ العشر من الخارج وذلك بمشاورة الصحابة وموافقتهم إياه عليه ، فصار ذلك إجماعا من السلف وعليه مضى الخلف ، ولو جاز اجتماعهما لجمعهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بالناضح نصف العشر وذلك إخبار بجميع الواجب في كل واحد منهما ، فلو وجب الخراج معه لكان ذلك بعض الواجب لأن الخراج قد يكون الثلث أو الربع وقد يكون قفيزا ودرهما وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدر العشر إلى النصف لأجل المؤنة التي لزمت صاحبها ، فلو لزم الخراج في الأرض لزم سقوط نصف العشر الباقي للزوم مؤنة الخراج ، ولكان يجب أن يختلف حكم ما تغلظ فيه المؤنة وما تخلف فيه كما خالف النبي صلى الله عليه وسلم بين ما سقته السماء وبين ما سقي بالناضح لأجل المؤنة ، ويدل عليه حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : منعت العراق قفيزها ودرهمها ومعناه : ستمنع ؛ ولو كان العشر واجبا لاستحال أن يكون الخراج ممنوعا منه والعشر غير ممنوع ؛ لأن من منع الخراج كان للعشر أمنع ، وفي تركه ذكر العشر دلالة على أن لا عشر في أرض الخراج وروي أن دهقانة نهر الملك أسلمت ، فكتب عمر أن يؤخذ منها الخراج إن اختارت أرضها وروي أيضا أن رفيلا أسلم ، فقال له علي : { إن أقمت على أرضك أخذنا منك الخراج } ؛ ولو كان العشر واجبا مع ذلك لأخبر بوجوبه ولم يخالفهما في ذلك أحد من الصحابة وأيضا لما كان العشر والخراج حقين لله تعالى لم يجز اجتماعهما عليه في وقت واحد ، والدليل عليه اتفاق الجميع على امتناع وجوب زكاة السائمة وزكاة التجارة .

فإن قيل : إن الخراج بمنزلة الأجرة ، والعشر صدقة ، فكما جاز اجتماع أجر الأرض والعشر في الخارج كذلك يجوز اجتماع الخراج والعشر ؛ وذلك لأن أرض الخراج مبقاة على حكم الفيء ، وإنما أبيح لزارعها الانتفاع بها بالخراج وهو أجرة الأرض ، فلا يمنع ذلك وجوب العشر مع الخراج . قيل [ ص: 184 ] له : هذا غلط من وجوه :

أحدها : أن عند أبي حنيفة لا يجتمع العشر والأجرة على المستأجر ، ومتى لزمته الأجرة سقط عنه العشر فكان العشر على رب الأرض الآخذ للأجرة ؛ فهذا الإلزام ساقط عنه وقول القائل إن أرض الخراج غير مملوكة لأهلها وإنها مبقاة على حكم الفيء خطأ ؛ لأنها عندنا مملوكة لأهلها ، والكلام فيها في غير هذا الموضع وقوله : { إن الخراج أجرة } خطأ أيضا من وجوه :

أحدها : أنه لا خلاف أنه لا يجوز استئجار النخل والشجر ، ومعلوم أن الخراج يؤدى عنهما ، فثبت أنه ليس بأجرة وأيضا فإن الإجارة لا تصح إلا على مدة معلومة ، ولم يعتقد أحد من الأئمة على أرباب أراضي الخراج مدة معلومة وأيضا فإن كانت أرض الخراج وأهلها مقرون على حكم الفيء فغير جائز أن يؤخذ منهم جزية رءوسهم لأن العبد لا جزية عليه .

ومما يدل على انتفاء اجتماع الخراج والعشر تنافي سببيهما ؛ وذلك لأن الخراج سببه الكفر ؛ لأنه يوضع موضع الجزية ، وسائر أموال الفيء والعشر سببه الإسلام ، فلما تنافى سببهما تنافى مسبباهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية