الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7721 ) مسألة قال ( وإذا رمى ، فغاب عن عينه فوجده ميتا سهمه فيه ولا أثر به غيره حل أكله ) هذا هو المشهور عن أحمد ، وكذلك لو أرسل كلبه على صيد ، فغاب عن عينه ، ثم وجده ميتا ، ومعه كلبه ، حل . وهذا قول الحسن ، وقتادة . وعن أحمد ، إن غاب نهارا ، فلا بأس ، وإن غاب ليلا ، لم يأكله .

                                                                                                                                            وعن مالك كالروايتين . وعن أحمد ما يدل على أنه إن غاب مدة طويلة ، لم يبح ، وإن كانت يسيرة ، أبيح ; لأنه قيل له : إن غاب يوما ؟ قال : يوم كثير . ووجه ذلك قول ابن عباس : إذا رميت فأقعصت ، فكل ، وإن رميت فوجدت فيه سهمك من يومك أو ليلتك ، فكل ، وإن بات عنك ليلة ، فلا تأكل ; فإنك لا تدري ما حدث فيه بعد ذلك . وكره عطاء والثوري أكل ما غاب . وعن أحمد مثل ذلك .

                                                                                                                                            وللشافعي فيه قولان ; لأن ابن عباس قال : كل ما أصميت ، وما أنميت فلا تأكل . قال الحكم : الإصماء : الإقعاص . يعني أنه يموت في الحال . والإنماء أن يغيب عنك . يعني أنه لا يموت في الحال قال الشاعر :

                                                                                                                                            فهو لا تنمي رميته ماله لا عد من نفره

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يباح إن لم يكن ترك طلبه ، وإن تشاغل عنه ثم وجده ، لم يبح .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روى عدي بن حاتم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا رميت الصيد ، فوجدته بعد يوم أو يومين ، ليس به إلا أثر سهمك ، فكل ، وإن وجدته غريقا في الماء ، فلا تأكل } . متفق عليه .

                                                                                                                                            وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أفتني في سهمي . قال : ما رد عليك سهمك ، فكل . قال : وإن تغيب عني ؟ قال : وإن تغيب عنك ، ما لم تجد فيه أثرا غير سهمك ، أو تجده قد صل } . رواه أبو داود . وعن أبي ثعلبة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا رميت الصيد ، فأدركته بعد ثلاث وسهمك فيه ، فكله ، ما لم ينتن } . [ ص: 303 ] ولأن جرحه بسهمه سبب إباحته ، وقد وجد يقينا ، والمعارض له مشكوك فيه ، فلا تزول عن اليقين بالشك ، ولأنه وجده وسهمه فيه ، ولم يجد به أثرا آخر ، فأشبه ما لو لم يترك طلبه عند أبي حنيفة ، أو كما لو غاب نهارا ، أو مدة يسيرة ، أو كما لو لم يغب ، إذا ثبت هذا ، فإنه يشترط في حله شرطان ; أحدهما ، أن يجد سهمه فيه ، أو أثره ويعلم أنه أثر سهمه ، لأنه إذا لم يكن كذلك ، فهو شاك في وجود المبيح ، فلا يثبت بالشك .

                                                                                                                                            والثاني ، أن لا يجد به أثرا غير سهمه ، مما يحتمل أنه قتله ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { ما لم تجد فيه أثرا غير سهمك } وفي لفظ : " وإن وجدت فيه أثرا غير سهمك ، فلا تأكله ، فإنك لا تدري ، أقتلته أنت أو غيرك " . رواه الدارقطني . وفي لفظ : " إذا وجدت فيه سهمك ، ولم يأكل منه سبع ، فكل منه " . رواه النسائي ، وفي حديث عدي ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فإن رميت الصيد ، فوجدته بعد يوم أو يومين ، ليس به إلا أثر سهمك ، فكل ، وإن وقع الماء ، فلا تأكل } . رواه البخاري . وقال عليه السلام : " وإن وجدته غريقا في الماء ، فلا تأكل " .

                                                                                                                                            ولأنه إذا كان به أثر يصلح أن يكون قد قتله ، فقد تحقق المعارض ، فلم يبح ، كما لو وجد مع كلبه كلبا سواه ، فأما إن كان الأثر مما لا يقتل مثله ، مثل أكل حيوان ضعيف ، كالسنور والثعلب ، من حيوان قوي ، فهو مباح ; لأنه يعلم أن هذا لم يقتله ، فأشبه ما لو تهشم من وقعته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية