الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الأيمان والنذور

الفصل الأول

3406 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - : أكثر ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحلف : " لا ، ومقلب القلوب " . رواه البخاري .

التالي السابق


[ 14 ] باب الأيمان والنذور إنما ألحق النذر باليمين ; لأن حكمهما واحد في بعض الصور . قال - عليه الصلاة والسلام - : ومن نذر نذرا ولم يسمه فكفارته كفارة يمين " . رواه أبو داود من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - والأيمان بفتح الهمزة جمع يمين وهي على ما في المغرب خلاف اليسار ، وإنما سمي القسم يمينا لأنهم كانوا يتماسحون بأيمانهم حالة التحالف ، وقد يسمى المحلوف عليه يمينا لتلبسه بها . وهي مؤنثة في جميع المعاني ، ويجمع على أيمن كرغيف وأرغف ، وأيم محذوف منه والهمزة للقطع ، وهو قول الكوفيين ، وإليه ذهب الزجاج ، وعند سيبويه هي كلمة بنفسها وضعت للقسم ليست جمعا لشيء والهمزة فيها للوصل . قال ابن الهمام : اليمين مشترك بين الجارحة والقسم ، والقوة لغة والأولان ظاهران وشاهد القوة قوله تعالى جل شأنه : لأخذنا منه باليمين ثم في قولهم : إنما سمي القسم يمينا لوجهين : أحدهما أن اليمين هو القوة والحالف يتقوى بالأقسام على الحمل أو المنع ، والثاني : أنهم كانوا يتماسكون بأيمانهم عند قسمهم ، فسميت بذلك بعد . إذ فيه لفظ منقول عن مفهومه اللغوي ، وسببها العادي تارة إيقاع صدقه في نفس السامع ، وتارة حمل نفسه أو غيره على الفعل أو الترك ، فبين المفهوم اللغوي والشرعي عموم من وجه لتصادقهما في اليمين بالله ، ثم قيل : يكره الحلف بالطلاق والعتاق لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " من كان حالفا فليحلف بالله " . الحديث والأكثر على أنه لا يكره لأنه يمنع نفسه أو غيره ، وحل الحديث غير التعليق مما هو بحروف القسم ، وركنها اللفظ الخاص ، وشرطها العقل والبلوغ ، وحكمها الذي يلزم وجودها وجوب البر فيما إذا عقدت على طاعة أو ترك معصية ، فيثبت وجوبا لأمرين : الفعل والبر ، ووجوب الحنث في الحلف على ضدهما وندبه فيما إذا كان عدم المحلوف عليه جائزا ، وإذا حنث إذ يحرم لزمته الكفارة ، ثم الحلف باسم الله تعالى لا يتقيد بالعرف ، بل هو يمين تعارفوه أو يتعارفوه ، وهو الظاهر من مذهب أصحابنا ، وهو قول [ ص: 2234 ] مالك وأحمد والشافعي في قول : والنذر على ما في الراغب أن توجب على نفسك ما ليس بواجب بحدوث أمر يقال : نذرت لله نذرا ، وفي التنزيل : إني نذرت للرحمن صوما قال بعضهم : أجمع المسلمون على صحة النذر ووجوب الوفاء به إذا كان المنذور طاعة ، فإن نذر معصية أو مباحا كدخول السوق لم ينعقد نذره ولا كفارة عليه عند الشافعي ، وبه قال جمهور العلماء : وقال أحمد وطائفة : فيه كفارة يمين اهـ . ومذهبنا مذهب أحمد لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين " . رواه أحمد والأربعة ، عن عائشة رضي الله عنها ، والنسائي عن عمران بن حصين .

الفصل الأول

3406 - ( عن ابن عمر قال : أكثر ما ) : أي أكثر يمين أو اليمين الذي ( ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحلف ) : أي يقسم بها في النفي عن الكلام السابق قوله : ( " لا ومقلب القلوب " ) : دل على جواز الحلف بصفات الله تعالى . قال الطيبي : أكثر : مبتدأ ، وما : مصدرية ، والوقت مقدر ، وكان : تامة ، ويحلف : حال سد مسد الخبر ، وقوله : " ومقلب القلوب " معمول لقوله يحلف أي يحلف بهذا القول ، و " لا " نفي للكلام السابق " مقلب القلوب " القلوب إنشاء قسم ونظيره .

وأخطب ما يكون الأمير قائما وقد مر الكلام في تخصيص هذا القول . ( رواه البخاري ) : وكذا الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه .




الخدمات العلمية