الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الرابع عشر : ومما يشبه هذا من معجزاته تفجير الماء ببركته ، وابتعاثه بمسه ، ودعوته

          فيما روى مالك في الموطإ عن معاذ بن جبل في قصة غزوة تبوك ، وأنهم وردوا العين ، وهي تبض بشيء من ماء مثل الشراك ، فغرفوا من العين بأيديهم حتى اجتمع في شيء ، ثم غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه وجهه ، ويديه ، وأعاده فيها ، فجرت بماء كثير ، فاستقى الناس .

          قال في حديث ابن إسحاق : فانخرق من الماء ما له حس كحس الصواعق .

          ثم قال : يوشك يا معاذ ، إن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا .

          وفي حديث البراء ، ومسلمة بن الأكوع ، وحديثه أتم في قصة الحديبية ، وهم أربع عشرة مائة ، وبئرها لا تروي خمسين شاة ، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ، فقعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جباها . قال البراء ، وأتي بدلو منها ، فبصق فدعا . وقال سلمة : فإما دعا ، وإما بصق فيها ، فجاشت ، فأرووا أنفسهم ، وركابهم .

          وفي غير هذه الروايتين في هذه القصة من طريق ابن شهاب [ في الحديبية ] :

          فأخرج [ ص: 297 ] سهما من كنانته ، فوضعه في قعر قليب ليس فيه ماء ؟ فروي الناس حتى ضربوا بعطن .

          وعن أبي قتادة ، وذكر أن الناس شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العطش في بعض أسفاره ، فدعا بالميضأة ، فجعلها في ضبنه ، ثم التقم فمها ، فالله أعلم نفث فيها أم لا ، فشرب الناس حتى رووا ، وملئوا كل إناء معهم ، فخيل إلي أنها كما أخذها مني ، وكانوا اثنين ، وسبعين رجلا .

          وروى مثله عمران بن حصين .

          وذكر الطبري حديث أبي قتادة على غير ما ذكره أهل الصحيح ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج بهم ممدا لأهل مؤتة عندما بلغه قتل الأمراء :

          وذكر حديثا طويلا فيه معجزات ، وآيات للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه إعلامهم أنهم يفقدون الماء في غد .

          وذكر حديث الميضأة ، قال : والقوم زهاء ثلاثمائة .

          وفي كتاب مسلم أنه قال لأبي قتادة : احفظ علي ميضأتك ، فإنه سيكون لها نبأ . . وذكر نحوه .

          ومن ذلك حديث عمران بن حصين حين أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عطش في بعض أسفارهم ، فوجه رجلين من أصحابه ، وأعلمهما أنهما يجدان امرأة بمكان كذا معها بعير عليه مزادتان . . . الحديث ، فوجداها ، وأتيا بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجعل في إناء من مزادتيها ، وقال فيه ما شاء الله أن يقول ، ثم أعاد الماء في المزادتين ، ثم فتحت عزاليهما ، وأمر الناس فملئوا أسقيتهم حتى لم يدعوا شيئا إلا ملئوه .

          قال عمران : وتخيل إلي أنهما لم تزدادا إلا امتلاء ، ثم أمر فجمع للمرأة من الأزواد حتى ملأ ثوبها . وقال : اذهبي ، فإنا لم نأخذ من مائك شيئا ، ولكن الله سقانا . . . الحديث بطوله .

          وعن سلمة بن الأكوع : قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : هل من وضوء ؟ فجاء رجل بإداوة فيها نطفة فأفرغها في قدح ، فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشرة مائة . .

          وفي حديث عمر في جيش العسرة : وذكر ما أصابهم من العطش ، حتى إن الرجل لينحر بعيره ، فيعصر فرثه فيشربه ، فرغب أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعاء ، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فانسكبت ، فملئوا ما معهم من آنية ، ولم تجاوز العسكر .

          وعن عمرو بن شعيب أن أبا [ ص: 298 ] طالب قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو رديفه بذي المجاز : عطشت ، وليس عندي ماء ، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وضرب بقدمه الأرض ، فخرج الماء ، فقال : اشرب .

          والحديث في هذا الباب كثير ، ومنه الإجابة بدعاء الاستسقاء ، وما جانسه .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية