الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ويقاد أنف الصحيح بأنف الأخرم ما لم يسقط أنفه أو شيء منه .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، لقول الله تعالى : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف [ المائدة : 45 ] ولأن الأنف حد ينتهى إليه ، وهو المارن المتصل بقصبة الأنف الذي يحجز بين المنخرين ، والمارن ما لان من الأنف من القصبة الذي بعده من العظم فشابه حد الكف من زند الذراع ، فلذلك وجب فيه القود ، فيؤخذ الأنف الكبير بالصغير ، والغليظ بالدقيق ، والأقنى بالأفطس ، والشام بالأخشم الذي لا يشم ، لأن الخشم علة في غير الأنف ، ويؤخذ أنف الصحيح بأنف الأجذم والأخرم إذا لم يذهب بالجذام والخرم شيء منه ، لأن الجذام مرض لا يمنع من القود ، فإن ذهب بالجذام والخرم شيء من أنف المجني عليه روعي ما ذهب منه وما بقي ، فإن أمكن فيه القود استوفي ، وهو أن يذهب أحد المنخرين ويبقى أحدهما فيقاد من المنخر الباقي ويؤخذ مثله من الجاني ، وإن لم يكن فيه القود لذهاب أرنبة الأنف وهو مقدمه سقط القود فيه ، لأنه لا يمكن استيفاء الأرنبة مع القود فيما بعدها ، وكان عليه من الدية بقسط ما أبقاه الجذام من أنف المجني عليه من نصف أو ثلث أو ربع .

                                                                                                                                            ولو كان أنف المجني عليه صحيحا وأنف الجاني أجذم ، فإن لم يذهب بالجذام شيء منه أقيد به أنف الصحيح ولا شيء عليه بعده ، وإن أذهب الجذام بعضه أقيد من أنفه وأخذ من دية الأنف بقسط ما أذهبه الجذام من أنف الجاني من ربع أو ثلث أو نصف ، ولو قطع الجاني بعض أنف المجني عليه وكان كل واحد منهما صحيح الأنف قدر المقطوع من أنف المجني عليه وما بقي منه . فإن كان المقطوع ثلث أنفه أقيد من الجاني ثلث أنفه ، وإن كان نصفا فالنصف ، ولا يقاد بقدر المقطوع ، لأنه ربما كبر أنف المجني عليه فكان نصفه مستوعبا لأنف الجاني ، فيفضي إلى أخذ الأنف بنصف أنف وهذا لا يجوز ، فلو قطع المارن وبعض القصبة أقيد من مارن الجاني وأخذ منه أرش المقطوع من القصبة ، لأنهما عظم لا يتماثل فلم يجب فيه القود ، كما لو قطع يدا من عظم الذراع أقيد من كفه وأخذ منه أرش ما زاد عليها من عظم الذراع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية