الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7809 ) مسألة : قال : ( ومن مر بثمرة ، فله أن يأكل منها ، ولا يحمل ) هذا يحتمل أنه أراد في حال الجوع والحاجة ; لأنه ذكره عقيب مسألة المضطر . قال أحمد : إذا لم يكن عليها حائط ، يأكل إذا كان جائعا ، وإذا لم يكن جائعا ، فلا يأكل . وقال : قد فعله غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولكن إذا كان عليه حائط ، لم يأكل ; لأنه قد صار شبه الحريم .

                                                                                                                                            وقال في موضع : إنما الرخصة للمسافر . إلا أنه لم يعتبر هاهنا حقيقة الاضطرار ; لأن الاضطرار يبيح ما وراء الحائط . ورويت عنه الرخصة في الأكل من غير المحوطة مطلقا ، من غير اعتبار جوع ولا غيره . وروي عن أبي زينب التيمي ، قال : سافرت مع أنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وأبي بردة ، فكانوا يمرون بالثمار ، فيأكلون في أفواههم .

                                                                                                                                            وهو قول عمر وابن عباس وأبي بردة . قال عمر : يأكل ، ولا يتخذ خبنة . وروي عن أحمد أنه قال : يأكل مما تحت الشجر ، وإذا لم يكن تحت الشجر فلا يأكل ثمار الناس ، وهو غني عنه . ولا يضرب بحجر ، ولا يرمي ; لأن هذا يفسد . وقد روي عن رافع بن عمرو قال : كنت أرمي نخل الأنصار ، فأخذوني ، فذهبوا بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال { : يا رافع ، لم ترمي نخلهم ؟ } . قلت : يا رسول الله ، الجوع . قال { : لا ترم ، وكل ما وقع ، أشبعك الله وأرواك } . أخرجه الترمذي . وقال : هذا حديث حسن صحيح .

                                                                                                                                            وقال أكثر الفقهاء : لا يباح الأكل في الضرورة ; لما روى العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : ألا وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ، ولا ضرب نسائهم ، ولا أكل ثمارهم ، إذا أعطوكم الذي عليهم . } أخرجه أبو داود . وقال النبي صلى الله عليه وسلم { : إن دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم ، حرام ، كحرمة يومكم هذا } . متفق عليه . [ ص: 333 ]

                                                                                                                                            ولنا ، ما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه سئل عن الثمر المعلق ، فقال { : ما أصاب منه من ذي حاجة ، غير متخذ خبنة ، فلا شيء عليه ، ومن أخرج منه شيئا ، فعليه غرامة مثليه والعقوبة } . قال الترمذي : هذا حديث حسن . وروى أبو سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : إذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاثا ، فإن أجابك ، وإلا فكل من غير أن تفسد } .

                                                                                                                                            وروى سعيد ، بإسناده عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، . ولأنه قول من سمينا من الصحابة من غير مخالف ، فيكون إجماعا . فإن قيل : فقد أبى سعد أن يأكل ؟ قلنا : امتناع سعد من أكله ليس بمخالف لهم ; لأن الإنسان قد يترك المباح غنى عنه ، أو تورعا ، أو تقذرا ، كترك النبي صلى الله عليه وسلم أكل الضب .

                                                                                                                                            فأما أحاديثهم ، فهي مخصوصة بما رويناه من الحديث والإجماع ، فإن كانت محوطة ، لم يجز الدخول إليها ; لقول ابن عباس : إن كان عليها حائط فهو حريم ، فلا تأكل ، وإن لم يكن عليها حائط ، فلا بأس . ولأن إحرازه بالحائط يدل على شح صاحبه به ، وعدم المسامحة فيه .

                                                                                                                                            قال بعض أصحابنا : إذا كان عليه ناطور ، فهو بمنزلة المحوط ، في أنه لا يدخل إليه ، ولا يأكل منه إلا في الضرورة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية