الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ( ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين . ( 20 ( وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ( 21 ) هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ( 22 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      ( ويقولون ) يعني : أهل مكة ، ( لولا أنزل عليه ) أي : على محمد صلى الله عليه وسلم ( آية من ربه ) على ما نقترحه ، ( فقل إنما الغيب لله ) يعني : قل إنما سألتموني الغيب وإنما الغيب لله ، لا يعلم أحد لم لم يفعل ذلك ولا يعلمه إلا هو . وقيل : الغيب نزول الآية لا يعلم متى ينزل أحد غيره ، ( فانتظروا ) نزولها ( إني معكم من المنتظرين ) وقيل : فانتظروا قضاء الله بيننا بالحق بإظهار المحق على المبطل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : ( وإذا أذقنا الناس ) يعني : الكفار ، ( رحمة من بعد ضراء ) أي : راحة ورخاء من بعد شدة وبلاء . وقيل : القطر بعد القحط ، ( مستهم ) أي : أصابتهم ، ( إذا لهم مكر في آياتنا ) قال مجاهد : تكذيب واستهزاء . وقال مقاتل بن حيان : لا يقولون : هذا من رزق الله ، إنما يقولون : سقينا بنوء كذا ، وهو قوله : " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " ( الواقعة - 82 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      ( قل الله أسرع مكرا ) أعجل عقوبة وأشد أخذا وأقدر على الجزاء ، يريد : عذابه في إهلاككم أسرع إليكم مما يأتي منكم في دفع الحق ، ( إن رسلنا ) حفظتنا ، ( يكتبون ما تمكرون ) وقرأ يعقوب : " يمكرون " بالياء .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( هو الذي يسيركم ) يجريكم ويحملكم ، وقرأ أبو جعفر وابن عامر : " ينشركم " بالنون والشين من النشر وهو البسط والبث ، " في البر " ، على ظهور الدواب ، وفي ( البحر ) على [ ص: 128 ] الفلك ، ( حتى إذا كنتم في الفلك ) أي : في السفن ، تكون واحدا وجمعا ( وجرين بهم ) يعني : جرت السفن بالناس ، رجع من الخطاب إلى الخبر ، ( بريح طيبة ) لينة ، ( وفرحوا بها ) أي : بالريح ، ( جاءتها ريح ) أي : جاءت الفلك ريح ، ( عاصف ) شديدة الهبوب ، ولم يقل ريح عاصفة ، لاختصاص الريح بالعصوف . وقيل : الريح تذكر وتؤنث . ( وجاءهم ) يعني : ركبان السفينة ، ( الموج ) وهو حركة الماء واختلاطه ، ( من كل مكان وظنوا ) أيقنوا ( أنهم أحيط بهم ) دنوا من الهلكة ، أي : أحاط بهم الهلاك ، ( دعوا الله مخلصين له الدين ) أي : أخلصوا في الدعاء لله ولم يدعوا أحدا سوى الله . وقالوا ( لئن أنجيتنا ) يا ربنا ، ( من هذه ) الريح العاصف ، ( لنكونن من الشاكرين ) لك بالإيمان والطاعة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية