الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 378 - 382 ] كتاب الزكاة ( الزكاة واجبة على الحر ، العاقل ، البالغ ، المسلم ، إذا ملك نصابا ملكا تاما ، وحال عليه الحول ) . أما الوجوب فلقوله تعالى { وآتوا الزكاة }ولقوله صلى الله عليه وسلم { أدوا زكاة أموالكم }وعليه إجماع الأمة . والمراد بالواجب الفرض ; لأنه لا شبهة فيه . واشتراط الحرية لأن كمال الملك بها ، والعقل والبلوغ لما نذكره ، [ ص: 383 ] والإسلام لأن الزكاة عبادة ، ولا تتحقق العبادة من الكافر . ولا بد من ملك مقدار النصاب ، لأنه صلى الله عليه وسلم قدر السبب به ، ولا بد من [ ص: 384 ] الحول لأنه لا بد من مدة يتحقق فيها النماء ، وقدرها الشرع بالحول . لقوله صلى الله عليه وسلم { لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول }ولأنه المتمكن به من الاستنماء ; لاشتماله على الفصول المختلفة ، والغالب تفاوت الأسعار فيها ، فأدير الحكم عليه . ثم قيل : هي واجبة على الفور ; لأنه مقتضى مطلق الأمر ، وقيل : على التراخي ; لأن جميع العمر وقت الأداء ، ولهذا لا تضمن بهلاك النصاب بعد التفريط .

                                                                                                        [ ص: 382 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 382 ] كتاب الزكاة

                                                                                                        الحديث الأول : قال النبي عليه السلام : { أدوا زكاة أموالكم } ، قلت : روي من حديث أبي أمامة ، ومن حديث أبي الدرداء .

                                                                                                        فحديث أبي أمامة ، أخرجه الترمذي في آخر " أبواب الصلاة " عن سليم بن عامر ، قال : سمعت أبا أمامة ، يقول : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع ، فقال : اتقوا الله وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأدوا زكاة أموالكم ، وأطيعوا ذا أمركم ، تدخلون جنة ربكم ، قال : قلت لأبي أمامة : منذ كم سمعت هذا الحديث ؟ قال : سمعته ، وأنا ابن ثلاثين سنة }.

                                                                                                        قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " ، والحاكم في " المستدرك في الإيمان ، وغيره " ، قال : حديث صحيح على شرط مسلم ، ولا يعرف له علة ، ولم يخرجاه ، وقد احتج مسلم بأحاديث لسليم بن عامر ، وسائر رواته متفق عليهم . انتهى .

                                                                                                        [ ص: 383 ] وأما حديث أبي الدرداء : فرواه الطبراني في " كتاب مسند الشاميين " حدثنا أحمد بن مسعود المقدسي ثنا عمرو بن أبي سلمة ثنا صدقة بن عبد الله عن الوضين بن عطاء عن يزيد بن مرثد عن أبي الدرداء أن النبي عليه السلام ، قال : { أخلصوا عبادة ربكم ، وصلوا خمسكم ، وأدوا زكاة أموالكم ، وصوموا شهركم ، وحجوا بيت ربكم ، تدخلوا جنة ربكم } ، وفيه قصة .

                                                                                                        أحاديث الباب : فيه حديث معاذ رضي الله عنه لما بعثه النبي عليه السلام إلى اليمن ، وفيه : { فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم } ، الحديث ، أخرجاه عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس .

                                                                                                        وحديث ضمام بن ثعلبة وفيه : قال : { أنشدك بالله ، الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ؟ فقال عليه السلام : اللهم نعم } ، أخرجه البخاري عن شريك بن أبي نمر عن أنس رضي الله عنه وحديث جبرائيل عليه الصلاة والسلام أخرجاه عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : { أتى النبي عليه الصلاة والسلام رجل ، فقال : يا رسول الله ، ما الإيمان ؟ ، قال : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، قال : فما الإسلام ؟ قال : أن تعبد الله ، ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، قال : فما الإحسان ؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه }الحديث .

                                                                                                        { وحديث الأعرابي ، وفيه : قال ، وذكر له عليه السلام الزكاة ، فقال : هل علي غيرها ؟ ، قال : لا ، إلا أن تطوع } ، الحديث ، أخرجاه من رواية مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن طلحة ، وحديث : { بني الإسلام على خمس } ، وفيه أحاديث مانع الزكاة ، سيأتي آخر الكتاب .

                                                                                                        الحديث الثاني : قال المصنف رحمه الله : ولا بد من ملك النصاب ، لأنه عليه الصلاة والسلام قدر السبب به ، قلت : من شواهد ذلك حديث أبي سعيد الخدري ، قال : قال [ ص: 384 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة }. انتهى .

                                                                                                        الحديث الثالث : قال عليه السلام : { لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول } ، [ ص: 385 ] قلت : روي من حديث علي ، ومن حديث ابن عمر ، ومن حديث أنس ، ومن حديث عائشة رضي الله عنهم . أما حديث علي رضي الله عنه فأخرجه أبو داود في " سننه " من طريق ابن وهب أخبرني جرير بن حازم ، وسمى آخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة ، والحارث الأعور عن علي عن النبي عليه السلام ، قال : { إذا كانت لك مائتا درهم ، وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ، وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارا ، فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ، ففيها نصف دينار ، فما زاد فبحسابها ذلك ، قال : فلا أدري أعلي يقول : فبحساب ذلك ، أو رفعه إلى النبي عليه السلام ، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول }. انتهى .

                                                                                                        قال : ورواه شعبة ، وسفيان ، وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ، ولم يرفعوه . انتهى . وفيه عاصم ، والحارث فعاصم وثقه ابن المديني ، وابن معين ، والنسائي وتكلم فيه ابن حبان ، وابن عدي ، فالحديث حسن . قال النووي رحمه الله في " الخلاصة " : وهو حديث صحيح ، أو حسن . انتهى .

                                                                                                        ولا يقدح فيه ضعف الحارث لمتابعة عاصم له ، وقال عبد الحق في " أحكامه " ، هذا حديث رواه وهب عن جرير بن حازم عن أبي إسحاق عن عاصم ، والحارث عن علي ، فقرن أبو إسحاق فيه بين عاصم ، والحارث ، والحارث كذاب وكثير من الشيوخ ، يجوز عليه مثل هذا ، وهو أن الحارث أسنده ، وعاصم لم يسنده ، فجمعهما جرير ، وأدخل حديث أحدهما في الآخر ، وكل [ ص: 386 ] ثقة رواه موقوفا ، فلو أن جريرا أسنده عن عاصم ، وبين ذلك أخذنا به ، وقال غيره : هذا لا يلزم ; لأن جريرا ثقة ، وقد أسند عنهما . انتهى .

                                                                                                        وهو في " مسند أحمد " عن عاصم بن ضمرة عن علي مرفوعا : { ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول } انتهى .

                                                                                                        وليس من رواية أحمد . وأما حديث ابن عمر فله طرق : أحدها : عند الدارقطني عن بقية عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : { ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول }انتهى . وإسماعيل بن عياش ضعيف وفي روايته عن غير الشاميين ، قال الدارقطني : ورواه معتمر . وغيره عن عبيد الله موقوفا ، ثم أخرجه كذلك ، ورواه البيهقي من حديث ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفا ، وقال : هو الصحيح ، ورواه بقية عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله ، فرفعه ، وليس بصحيح . انتهى .

                                                                                                        طريق آخر : أخرجه الدارقطني في " كتاب غرائب مالك " عن إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، نحوه ، قال الدارقطني : الصواب موقوف ، انتهى .

                                                                                                        قلت : رواه يحيى بن يحيى ، ويحيى بن بكير ، وأبو مصعب عن مالك في " الموطأ " بالسند المذكور موقوفا عن مالك رضي الله عنه ، ورواه الشافعي رضي الله عنه في " مسنده " موقوفا كذلك . طريق آخر : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا ، باللفظ المذكور ، ورواه الترمذي في " كتابه " بلفظ : { من [ ص: 387 ] استفاد مالا ، فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول }. انتهى ثم رواه موقوفا ، وقال : هذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم انتهى .

                                                                                                        وقال الدارقطني في " علله " : حديث نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : { لا زكاة في مال حتى يحول عليه . الحول }يرويه عبيد الله بن عمر ، واختلف عليه فيه ، فرواه إسماعيل بن عياش عنه عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، ورواه سويد بن عبد العزيز عن عبيد الله مرفوعا ، والصحيح عن عبيد الله موقوفا ، كذا قاله عنه معمر ، وابن نمير ، ومحمد بن بشر ، وشجاع بن الوليد ، وغيرهم . ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفا ، وكذلك يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر موقوفا ، وقد رواه إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن مالك عن نافع عن ابن عمر فرفعه ، ولم يرفعه عن مالك غيره ، والصحيح عن مالك موقوف . انتهى .

                                                                                                        وأما حديث أنس رضي الله عنه ، فأخرجه الدارقطني في " سننه " عن حسان بن سياه عن ثابت عن أنس مرفوعا ، ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بحسان بن سياه ، وقال : لا أعلم يرويه عن ثابت غيره . انتهى . وحسان بن سياه ، قال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : هو منكر الحديث جدا ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ; لما ظهر من خطئه على ما عرف من صلاحه انتهى وأما حديث عائشة رضي الله عنها ، فأخرجه ابن ماجه في " سننه " عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول }انتهى . وحارثة هذا ضعيف ، قال ابن حبان رحمه الله في " كتاب الضعفاء " : كان ممن كثر وهمه ، وفحش خطؤه ، تركه أحمد ، ويحيى . انتهى .

                                                                                                        أحاديث المال المستفاد : تعلق الخصم ، وهو : الشافعي ، وأحمد ، ومالك ، في [ ص: 388 ] أحد قوليه ، بما أخرجه الترمذي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من استفاد مالا ، فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول } ، انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي رحمه الله : ورواه أيوب وعبيد الله بن عمر ، وغير واحد عن نافع عن ابن عمر موقوفا ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف في الحديث ، ضعفه أحمد ، وابن المديني ، وغيرهما ، وهو كثير الغلط ، ثم أخرجه عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفا ، قال : وهذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم انتهى .

                                                                                                        قال النووي رحمه الله في " الخلاصة " : ورواه الدارقطني ، ثم البيهقي ، وأعله بعبد الرحمن ، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " من حديث ابن أبي ليلى عن نافع به موقوفا ، ورواه الدارقطني في " سننه " من حديث عبيد الله عن نافع به موقوفا .




                                                                                                        الخدمات العلمية