الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ميراث الإخوة للأب والأم أو للأب

وأجمع العلماء على أن الإخوة للأب والأم أو للأب فقط يرثون في الكلالة أيضا . أما الأخت إذا انفردت فإن لها النصف وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان ، كالحال في البنات ، وإنهم إن كانوا ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين كحال البنين مع البنات ، وهذا لقوله تعالى : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) إلا أنهم اختلفوا في معنى الكلالة هاهنا في أشياء واتفقوا منها في أشياء يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى .

فمن ذلك أنهم أجمعوا من هذا الباب على أن الإخوة للأب والأم ذكرانا كانوا أو إناثا أنهم لا يرثون مع الولد الذكر شيئا ، ولا مع ولد الولد ، ولا مع الأب شيئا . واختلفوا فيما سوى ذلك ، فمنها :

أنهم اختلفوا في ميراث الإخوة للأب والأم مع البنت أو البنات ، فذهب الجمهور إلى أنهن عصبة يعطون ما فضل عن البنات ، وذهب داود بن علي الظاهري وطائفة إلى أن الأخت لا ترث مع البنت شيئا .

وعمدة الجمهور في هذا الحديث ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في ابنة وابنة ابن وأخت " إن للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت " . وأيضا من جهة النظر لما أجمعوا على توريث الإخوة مع البنات ، فكذلك الأخوات .

وعمدة الفريق الآخر ظاهر قوله تعالى : ( إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت ) فلم يجعل للأخت شيئا إلا مع عدم الولد ، والجمهور حملوا اسم الولد هاهنا على الذكور دون الإناث .

وأجمع العلماء من هذا الباب على أن الأخوة للأب والأم يحجبون الإخوة للأب عن الميراث قياسا على بني الأبناء مع بني الصلب . قال أبو عمر : وقد روي ذلك في حديث حسن من رواية الآحاد العدول ، عن علي - رضي الله عنه - قال " قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات " .

وأجمع العلماء على أن الأخوات للأب والأم إذا استكملن الثلثين فإنه ليس للأخوات للأب معهن شيء كالحال في بنات الابن مع بنات الصلب ، وأنه إن كانت الأخت للأب والأم واحدة فللأخوات للأب ما كن بقية الثلثين وهو السدس .

واختلفوا إذا كان مع الأخوات للأب ذكر ، فقال الجمهور : يعصبهن ويقتسمون المال للذكر مثل حظ [ ص: 676 ] الأنثيين ، كالحال في بنات الابن مع بنات الصلب; واشترط مالك أن يكون في درجتهن ، وقال ابن مسعود : إذا استكمل الأخوات الشقائق الثلثين فالباقي للذكور من الإخوة للأب دون الإناث ، وبه قال أبو ثور ، وخالفه داود في هذه المسألة ، مع موافقته له في مسألة بنات الصلب وبني البنين ، فإن لم يستكملن الثلثين ، فللذكر عنده من بني الأب مثل حظ الأنثيين ، إلا أن يكون الحاصل للنساء أكثر من السدس كالحال في بنت الصلب مع بني الابن .

وأدلة الفريقين في هذه المسألة هي تلك الأدلة بأعيانها .

وأجمعوا على أن الإخوة للأب يقومون مقام الإخوة للأب والأم عند فقدهم ، كالحال في بني البنين مع البنين ، وأنه إذا كان معهن ذكر عصبهن ، بأن يبدأ بمن له فرض مسمى ، ثم يرثون الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين كالحال في البنين إلا في موضع واحد ، وهي الفريضة التي تعرف بالمشركة ، فإن العلماء اختلفوا فيها ، وهي امرأة توفيت وتركت زوجها وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأبيها وأمها ، فكان عمر ، وعثمان ، وزيد بن ثابت يعطون للزوج النصف ، وللأم السدس ، وللإخوة للأم الثلث ، فيستغرقون المال فيبقى الإخوة للأب والأم بلا شيء ، فكانوا يشركون الإخوة للأب والأم في الثلث مع الإخوة للأم يقتسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين . وبالتشريك قال من فقهاء الأمصار مالك ، والشافعي والثوري .

وكان علي - رضي الله عنه - وأبي بن كعب ، وأبو موسى الأشعري لا يشركون إخوة الأب والأم في الثلث مع إخوة الأم في هذه الفريضة ، ولا يوجبون لهم شيئا فيها ، وقال به من فقهاء الأمصار : أبو حنيفة ، وابن أبي ليلى ، وأحمد ، وأبو ثور ، وداود وجماعة .

وحجة الفريق الأول أن الإخوة للأب والأم يشاركون الإخوة للأم في السبب الذي به يستوجبون الإرث وهي الأم فوجب أن لا ينفردوا به دونهم ; لأنه إذا اشتركوا في السبب الذي به يورثون وجب أن يشتركوا في الميراث .

وحجة الفريق الثاني أن الإخوة الشقائق عصبة ، فلا شيء لهم إذا أحاطت فرائض ذوي السهام بالميراث . وعمدتهم باتفاق الجميع على أن من ترك زوجا وأما وأخا واحدا لأم وإخوة شقائق عشرة أو أكثر أن الأخ للأم يستحق هاهنا السدس كاملا ، والسدس الباقي بين الباقين مع أنهم مشاركون له في الأم . فسبب الاختلاف في أكثر مسائل الفرائض هو تعارض المقاييس واشتراك الألفاظ فيما فيه نص .

التالي السابق


الخدمات العلمية