الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ثمان عشرة

فمن الحوادث فيها طاعون عمواس

تفانى فيه الناس ، ومات فيه خمسة وعشرون ألفا .

قال سيف: إنما كان في سنة سبع عشرة .

[أخبرنا ابن الحصين ، قال: أخبرنا ابن المذهب ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، عن محمد بن إسحاق ، عن أبان بن صالح ] ، عن شهر بن حوشب الأشعري ، عن رابة -رجل من قومه ، وكان قد خلف على أمه بعد أبيه ، كان شهد طاعون عمواس- قال: لما اشتعل الوجع قام أبو عبيدة بن الجراح في الناس خطيبا ، فقال: أيها الناس ، إن هذا الوجع رحمة ربكم ، ودعوة نبيكم ، وموت الصالحين قبلكم ، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظه ، قال: فطعن فمات ، واستخلف على الناس معاذ بن جبل ، فقام خطيبا بعده ، فقال: أيها الناس ، إن هذا الوجع رحمة ربكم ، ودعوة نبيكم ، وموت الصالحين قبلكم ، وإن معاذا يسأل الله أن يقسم لآل معاذ منه حظه ، قال: فطعن ابنه عبد الرحمن فمات ، ثم قام فدعا ربه لنفسه فطعن في راحته ، فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقبل ظهر كفه ، ثم يقول: ما أحب أن لي بما فيك شيئا من الدنيا . [ ص: 248 ]

فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص ، فقام فينا خطيبا ، فقال: أيها الناس ، إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار ، فتجبلوا منه في الجبال ، فقال له وائلة الهذلي: كذبت ، والله لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنت شر من حماري هذا ، قال: والله ما أرد عليك ما تقول ، وايم الله لا نقيم عليه . ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا ، ورفعه الله عنهم ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو ، فوالله ما كرهه .

[أخبرنا محمد بن ناصر ، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، أخبرنا محمد بن علي بن الفتح ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن أخي سمي ، حدثنا جعفر بن محمد بن نصير ، حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق ، حدثنا الزبير بن بكار ، وحدثنا يحيى بن المقداد ، عن عمه موسى بن يعقوب ، عن عمه] يزيد بن عبد الله ، قال: علق عمرو بن العاص بعمود خبائه سبعين سيفا كلها ورثه عن كلالة عام طاعون عمواس ، ولم يكن أحد يقول لأحد: كيف أصبحت ولا كيف أمسيت [حين كثر فيهم الموت] .

وقد ذكر الواقدي أن الرقة والرها وحران فتحت في هذه السنة على يدي عياض بن غنم ، وأن عين وردة فتحت على يدي عمير بن سعد ، وقد ذكرنا الخلاف في هذا فيما تقدم .

[أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد السمرقندي ، قال: حدثنا أبو محمد بن عبد العزيز بن أحمد الكناني ، حدثنا أبو الحسين عبد الوهاب بن جعفر بن علي بن جعفر الميداني ، حدثنا أبو حفص محمد بن علي العتكي ، قال: حدثني محمد بن الوراق ، حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان ، قال: حدثني علي بن أبي عبد الله] ، عن الهيثم بن عدي ، قال: [ ص: 249 ]

افتتح غار بجبل لبنان فإذا فيه رجل مسجى على سرير من ذهب ، وإلى جانبه لوح من ذهب مكتوب فيه بالرومية: أنا سابا بن بوناس بن سابا ، خدمت عيص بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرب الأكبر ، وعشت بعده دهرا طويلا ، ورأيت عجبا كثيرا ، فلم أر أعجب من غافل عن الموت وقد عاين مصارع آبائه ، ووقف على قبور أحبائه ، وعلم أنه صائر إلى الموت لا محالة ، والذي بعد الموت من حساب الديان أعظم ، ورد حق المظلومين أعظم من الموت حقا ، حفرت قبري هذا قبل أن أصل إليه بمائة وخمسين عاما ، ووضعت سريري هذا فيه أغدو وأروح ، وقد علمت أن الحفاة الأجلاف الجاهلية يخرجوني من غاري هذا وينزلوني عن سريري وهم يومئذ مقرون بربوبية الديان الأعظم ، وعند ذلك يتغير الزمان ، ويتأمر الصبيان ، ويكثر الحدثان ، ويظهر البهتان ، فمن أدرك ذلك الزمان عاش قليلا ، ومات ذليلا ، وبكى كثيرا ، ولا بد مما هو كائن أن يكون ، والعاقبة للمتقين ، وقد رأيت الثلج والبرد في تموز مرارا ، فإن رأيتم ذلك فلا تعجبوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية