الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وأن احكم بينهم بما أنزل الله سبب نزولها: أن جماعة من اليهود منهم كعب بن أسيد ، وعبد الله بن صوريا ، وشأس بن قيس ، قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد ، لعلنا نفتنه عن دينه ، فأتوه ، فقالوا: يا محمد ، قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم ، وأنا إن تبعناك ، اتبعك اليهود ، وإن بيننا وبين قوم خصومة ، فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، ونحن نؤمن بك ، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس . وذكر مقاتل أن [ ص: 375 ] جماعة من بني النضير قالوا له: هل لك أن تحكم لنا على أصحابنا أهل قريظة في أمر الدماء كما كنا عليه من قبل ، ونبايعك؟ فنزلت هذه الآية . قال القاضي أبو يعلى: وليس هذه الآية تكرارا لما تقدم ، وإنما نزلتا في شيئين مختلفين ، أحدهما: في شأن الرجم ، والآخر: في التسوية في الديات حتى تحاكموا إليه في الأمرين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: واحذرهم أن يفتنوك أي: يصرفوك عن بعض ما أنزل الله إليك وفيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه الرجم ، قاله ابن عباس . والثاني: شأن القصاص والدماء ، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فإن تولوا فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: عن حكمك . والثاني: عن الإيمان ، فاعلم أن إعراضهم من أجل أن الله يريد أن يعذبهم ببعض ذنوبهم . وفي ذكر البعض قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه على حقيقته ، وإنما يصيبهم ببعض ما يستحقونه .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن المراد به الكل ، كما يذكر لفظ الواحد ، ويراد به الجماعة ، كقوله: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء [الطلاق: 1] والمراد: جميع المسلمين . وقال الحسن: أراد ما عجله من إجلاء بني النضير وقتل بني قريظة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وإن كثيرا من الناس لفاسقون قال المفسرون: أراد اليهود .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي المراد بالفسق هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها: الكفر ، قاله ابن عباس . والثاني: الكذب ، قاله ابن زيد . والثالث: المعاصي ، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية