الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7946 ) مسألة ; قال : ( ومن حلف أن يفعل شيئا ، فلم يفعله ، أو لا يفعل شيئا ، ففعله ، فعليه الكفارة ) لا خلاف في هذا عند فقهاء الأمصار . قال ابن عبد البر : اليمين التي فيها الكفارة بإجماع المسلمين ، هي التي على المستقبل من الأفعال . وذهبت طائفة إلى أن الحنث متى كان طاعة ، لم يوجب كفارة .

                                                                                                                                            وقال قوم : من حلف على فعل معصية ، فكفارتها تركها . وقال سعيد بن جبير : اللغو أن يحلف الرجل فيما لا ينبغي له . يعني فلا كفارة عليه في الحنث . وقد روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ، ولا في معصية الله - تعالى ولا في قطيعة رحم ، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ، فليدعها ، وليأت الذي هو خير ، فإن تركها كفارة } . رواه أبو داود . ولأن الكفارة إنما تجب لرفع الإثم ، ولا إثم في الطاعة . ولأن اليمين كالنذر ، ولا نذر في معصية الله - تعالى .

                                                                                                                                            ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من حلف على يمين ، فرأى غيرها خيرا منها ، فليأت الذي هو خير ، وليكفر عن يمينه . وقال : إني والله ، إن شاء الله ، لا أحلف على يمين ، فأرى غيرها خيرا منها ، إلا أتيت الذي هو خير ، وكفرت عن يميني } . أخرجه البخاري . وحديثهم لا يعارض حديثنا ; لأن حديثنا أصح منه وأثبت .

                                                                                                                                            ثم إنه يحتمل أن تركها كفارة لإثم الحلف ، والكفارة المختلف فيها كفارة المخالفة . وقولهم : إن الحنث طاعة . قلنا : فاليمين غير طاعة ، فتلزمه الكفارة ; للمخالفة ، ولتعظيم اسم الله - تعالى - إذا حلف به ولم يبر يمينه . إذا ثبت هذا ، نظرنا في يمينه ، فإن كانت على ترك شيء ففعله ، حنث ، ووجبت الكفارة . وإن كانت على فعل شيء [ ص: 391 ] فلم يفعله ، وكانت يمينه مؤقتة بلفظه ، أو نيته ، أو قرينة حاله ، ففات الوقت ، حنث ، وكفر .

                                                                                                                                            وإن كانت مطلقة ، لم يحنث إلا بفوات وقت الإمكان ; لأنه ما دام في الوقت والفعل ممكن ، فيحتمل أن يفعل فلا يحنث ; ولهذا { قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم : ألم تخبرنا أنا نأتي البيت ، ونطوف به ؟ قال : فأخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قال : لا . قال : فإنك آتيه ومطوف به } . وقد قال الله - تعالى : { قل بلى وربي لتبعثن } . وهو حق ، ولم يأت بعد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية