الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين .

تركيب أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله تمثيل ، شبه به حال التهيؤ للحرب والاستعداد لها والحزامة في أمرها ، بحال من يوقد النار لحاجة بها فتنطفئ ، فإنه شاعت استعارات معاني التسعير والحمي والنار ونحوها للحرب ، ومنه حمي الوطيس ، وفلان مسعر حرب ، ومحش حرب ، فقوله : أوقدوا نارا للحرب كذلك ، ولا نار في الحقيقة ، إذ لم يؤثر عن العرب أن لهم نارا تختص بالحرب تعد في نيران العرب التي يوقدونها لأغراض . وقد وهم من ظنها حقيقة ، ونبه المحققون على وهمه .

وشبه حال انحلال عزمهم أو انهزامهم وسرعة ارتدادهم عنها ، وإحجامهم عن مصابحة أعدائهم ، بحال من انطفأت ناره التي أوقدها .

[ ص: 252 ] ومن بداعة هذا التمثيل أنه صالح لأن يعتبر فيه جمعه وتفريقه ، بأن يجعل تمثيلا واحدا لحالة مجموعة أو تمثيلين لحالتين ، وقبول التمثيل للتفريق أتم بلاغة . والمعنى أنهم لا يلتئم لهم أمر حرب ولا يستطيعون نكاية عدو ، ولو حاربوا أو حوربوا انهزموا ، فيكون معنى الآية على هذا كقوله : ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا .

وأما ما يروى أن معدا كلها لما حاربوا مذحج يوم خزازى ، وسيادتهم لتغلب وقائدهم كليب ، أمر كليب أن يوقدوا نارا على جبل خزازى ليهتدي بها الجيش لكثرته ، وجعلوا العلامة بينهم أنهم إذا دهمتهم جيوش مذحج أوقدوا نارين على خزازى ، فلما دهمتهم مذحج أوقدوا النار فتجمعت معد كلها إلى ساحة القتال وانهزمت مذحج . وهذا الذي أشار إليه عمرو بن كلثوم بقوله :


ونحن غداة أوقد في خزازى رفدنا فوق رفد الرافدينـا

فتلك شعار خاص تواضعوا عليه يومئذ فلا يعد عادة في جميع الحروب . وحيث لا تعرف نار للحرب تعين الحمل على التمثيل ، ولذلك أجمع عليه المفسرون في هذه الآية فليس الكلام بحقيقة ولا كناية .

وقوله : ويسعون في الأرض فسادا القول فيه كالقول في نظيره المتقدم آنفا عند قوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا .

التالي السابق


الخدمات العلمية