الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 400 ] مسألة ; قال : ( أو بالعهد ) وجملته أنه إذا حلف بالعهد ، أو قال : وعهد الله ، وكفالته . فذلك يمين ، يجب تكفيرها إذا حنث فيها . وبهذا قال الحسن ، وطاوس ، والشعبي ، والحارث العكلي ، وقتادة ، والحكم ، والأوزاعي ، ومالك . وحلفت عائشة رضي الله عنها بالعهد أن لا تكلم ابن الزبير ، فلما كلمته أعتقت أربعين رقبة ، وكانت إذا ذكرته تبكي ، وتقول : واعهداه .

                                                                                                                                            قال أحمد : العهد شديد في عشرة مواضع من كتاب الله : { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا } . ويتقرب إلى الله - تعالى - إذا حلف بالعهد وحنث ، ما استطاع . وعائشة أعتقت أربعين رقبة ، ثم تبكي حتى تبل خمارها ، وتقول : واعهداه . وقال عطاء ، وأبو عبيد ، وابن المنذر : لا يكون يمينا إلا أن ينوي . وقال الشافعي : لا يكون يمينا إلا أن ينوي اليمين بعهد الله ، الذي هو صفته .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : ليس بيمين . ولعلهم ذهبوا إلى أن العهد من صفات الفعل ، فلا يكون الحلف به يمينا ، كما لو قال : وخلق الله . وقد وافقنا أبو حنيفة في أنه إذا قال : علي عهد الله وميثاقه لأفعلن . ثم حنث ، أنه يلزمه الكفارة . ولنا ، أن عهد الله يحتمل كلامه الذي أمرنا به ونهانا ، كقوله تعالى : { ألم أعهد إليكم يا بني آدم } .

                                                                                                                                            وكلامه قديم صفة له ، ويحتمل أنه استحقاقه لما تعبدنا به ، وقد ثبت له عرف الاستعمال ، فيجب أن يكون يمينا بإطلاقه ، كما لو قال : وكلام الله . إذا ثبت هذا ، فإنه إن قال : علي عهد الله وميثاقه لأفعلن . أو قال : وعهد الله وميثاقه لأفعلن . فهو يمين ، وإن قال : والعهد والميثاق لأفعلن . ونوى عهد الله ، كان يمينا ; لأنه نوى الحلف بصفة من صفات الله - تعالى . وإن أطلق ، فقال القاضي : فيه روايتان ; إحداهما يكون يمينا ; لأن لام التعريف إن كانت للعهد ، يجب أن تنصرف إلى عهد الله ; لأنه الذي عهدت اليمين به ، وإن كانت للاستغراق ، دخل فيه ذلك والثانية ، لا يكون يمينا ; لأنه يحتمل غير ما وجبت به الكفارة ، ولم يصرفه إلى ذلك بنيته ، فلا تجب الكفارة ; لأن الأصل عدمها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية