الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        [ ص: 385 ] 2 - باب الرجل يوصي بثلث ماله لقرابته ، أو لقرابة فلان منهم

                                                        قال أبو جعفر : اختلف الناس في الرجل يوصي بثلث ماله ؛ لقرابة فلان ، منهم ، القرابة الذين يستحقون تلك الوصية .

                                                        فقال أبو حنيفة رحمه الله : هم كل ذي رحم محرم ، من فلان ، من قبل أبيه ، أو من قبل أمه ، غير أنه يبدأ في ذلك بمن كانت قرابته منهم من قبل أبيه ، على من كانت قرابته منه من قبل أمه .

                                                        وتفسير ذلك أن يكون للموصي لقرابته عم وخال ، فقرابة عمه من قبل أبيه كقرابة خاله منه ، من قبل أمه ، فليبدأ في ذلك بعمه على خاله ، فيجعل الوصية له .

                                                        وقال زفر رحمه الله : الوصية لكل من قرب منه من قبل أبيه ، أو من قبل أمه ، دون من كان أبعد منه .

                                                        وسواء كان في ذلك بين من كان منهم ذا رحم محرم ، وبين من كان ذا رحم غير محرم .

                                                        وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمهما الله تعالى : الوصية في ذلك لكل من جمعه وفلانا أب واحد ، منذ كانت الهجرة من قبل أبيه ، أو من قبل أمه .

                                                        وسواء في ذلك ، بين من بعد منهم ، وبين من قرب ، وبين من كانت رحمه غير محرمة .

                                                        ولم يفضلا في ذلك من كانت رحمه من قبل الأب ، على من كانت رحمه من قبل الأم .

                                                        وقال آخرون : الوصية في ذلك لكل من جمعه وفلانا أبوه الرابع إلى ما هو أسفل من ذلك .

                                                        وقال آخرون : الوصية في ذلك لكل من جمعه وفلانا أب واحد في الإسلام ، أو في الجاهلية ، ممن يرجع بآبائه ، أو بأمهاته إليه ، أبا غير أب ، أو أما غير أم ، إلى أن تلقاه ، مما ثبتت به المواريث ، أو تقوم به الشهادات .

                                                        وإنما جوز أهل هذه المقالات الوصية للقرابة ، على ما ذكرنا من قول كل واحد منهم ، إذا كانت تلك القرابة قرابة تحصى وتعرف .

                                                        فإن كانت لا تحصى ولا تعرف ؛ فإن الوصية بها باطلة في قولهم جميعا إلا أن يوصي بها لفقرائهم ، فتكون جائزة لمن رأى الوصي دفعها إليه منهم .

                                                        وأقل من يجوز له أن يجعلها منهم ، اثنان فصاعدا ، في قول محمد بن الحسن رحمه الله .

                                                        وقال أبو يوسف رحمه الله : إن دفعها إلى واحد منهم أجزأه ذلك .

                                                        فلما اختلفوا في القرابة منهم هذا الاختلاف ، وجب أن ننظر في ذلك ؛ لنستخرج من أقاويلهم هذه قولا صحيحا .

                                                        [ ص: 386 ] فنظرنا في ذلك ، فكان من حجة الذين ذهبوا إلى أن القرابة ، هم الذين يلتقونه ومن يقاربونه ، عند أبيه الرابع فأسفل من ذلك .

                                                        إنما قالوا ذلك فيما ذكروا ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم سهم ذي القربى ، أعطى بني هاشم وبني المطلب .

                                                        وإنما يلتقي هو وبنو المطلب ، عند أبيه الرابع ؛ لأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف .

                                                        والآخرون بنو المطلب بن عبد مناف ، يلتقونهم ، وهو عند عبد مناف ، وهو أبوه الرابع .

                                                        فمن الحجة عليهم في ذلك للآخرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أعطى بني هاشم ، وبني المطلب ، قد حرم بني أمية ، وبني نوفل ، وقرابتهم منه كقرابة بني المطلب .

                                                        فلم يحرمهم ؛ لأنهم ليسوا قرابة ، ولكن لمعنى غير القرابة .

                                                        فكذلك من فوقهم ، لم يحرمهم ؛ لأنهم ليسوا قرابة ، ولكن لمعنى غير القرابة .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية