الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8001 ) مسألة ; قال : وإذا قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق . لم تطلق إن تزوج بها . وإن قال : إذا ملكت فلانا فهو حر فملكه صار حرا اختلفت الرواية عن أحمد في هاتين المسألتين ، فعنه : لا يقع طلاق ، ولا عتق . روي هذا عن ابن عباس . وبه قال سعيد بن المسيب ، وعطاء ، والحسن ، وعروة وجابر بن زيد ، وسوار والقاضي ، والشافعي وأبو ثور ، وابن المنذر .

                                                                                                                                            ورواه الترمذي عن علي ، وجابر بن عبد الله ، وسعيد بن جبير ، وعلي بن الحسين ، وشريح ، وغير واحد من فقهاء التابعين ، قال : وهو قول أكثر أهل العلم ; لما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ، ولا عتق فيما لا يملك ، ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك } قال الترمذي وهذا حديث حسن ، وهو أحسن ما روي في هذا الباب .

                                                                                                                                            وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم ، وإن عينها } رواه الدارقطني وروى أبو بكر في الشافي عن الخلال ، عن الرمادي ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن النزال بن سبرة عن علي بن أبي طالب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا طلاق قبل نكاح } .

                                                                                                                                            قال أحمد : هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من الصحابة . ولأن من لا يقع طلاقه وعتقه بالمباشرة ، لم تنعقد له صفة ، كالمجنون ، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ، ولم نعرف لهم مخالفا في عصرهم ، فيكون إجماعا . والرواية الثانية عن أحمد ، أنه يصح في العتق ولا يصح في الطلاق . قال ، في رواية أبي طالب : إذا قال : إن اشتريت هذا الغلام فهو حر . فاشتراه عتق ، وإن قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق .

                                                                                                                                            فهذا غير الطلاق ، هذا حق لله تعالى ، والطلاق يمين ، ليس هو لله تعالى ، ولا فيه قربة إلى الله - تعالى . قال أبو بكر في كتاب الشافي : لا يختلف قول أبي عبد الله ، أن الطلاق إذا وقع قبل النكاح لا يقع ، وأن العتاق يقع ، إلا ما روى محمد بن الحسن بن هارون في العتق ، أنه لا يقع ، وما أراه إلا غلطا ، كذلك سمعت الخلال يقول ، فإن كان حفظ فهو قول آخر . والفرق بينهما ، أن ناذر العتق يلزمه الوفاء به ، وأن ناذر الطلاق لا يلزمه الوفاء به ، فكما افترقا في النذر ، جاز أن يفترقا في اليمين ، ولأنه لو قال لأمته : أول ولد تلدينه فهو حر . فإنه يصح وهو تعليق للحرية على الملك .

                                                                                                                                            [ ص: 416 ] وعن أحمد ، رحمه الله ، ما يدل على وقوع الطلاق والعتق . وهو قول الثوري ، وأصحاب الرأي ; لأنه يصح تعليقه على الأخطار ، فصح تعليقه على حدوث الملك ، كالوصية والنذر واليمين . وقال مالك : إن خص جنسا من الأجناس ، أو عبدا بعينه ، عتق إذا ملكه ، وإن قال : كل عبد أملكه فهو حر . لم يصح . والأول أصح ، إن شاء الله - تعالى ; لأنه تعليق للطلاق والعتاق قبل الملك ، فأشبه ما لو قال لأجنبية : إن دخلت الدار فأنت طالق . أو لأمة غيره : إن دخلت الدار فأنت حرة ثم تزوج الأجنبية ، وملك الأمة ، ودخلتا الدار ، فإن الطلاق لا يقع ، ولا تعتق الأمة ، بغير خلاف نعلمه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية