الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 419 ] مسألة ; قال : ولو حلف أن لا يشتري فلانا ، أو لا يضربه ، فوكل في الشراء والضرب ، حنث وجملته أن من حلف أن لا يفعل شيئا ، فوكل من فعله ، حنث ، إلا أن ينوي مباشرته بنفسه . ونحو هذا قول مالك ، وأبي ثور . وقال الشافعي : لا يحنث ، إلا أن ينوي بيمينه أن لا يستنيب في فعله ، أو يكون ممن لم تجر عادته بمباشرته ; لأن إطلاق إضافة الفعل يقتضي مباشرته ; بدليل أنه لو وكله في البيع لم يجز للوكيل توكيل غيره .

                                                                                                                                            وإن حلف لا يبيع ولا يضرب ، فأمر من فعله ، فإن كان ممن يتولى ذلك بنفسه ، لم يحنث ، وإن كان ممن لا يتولاه ، كالسلطان ، ففيه قولان . وإن حلف لا يحلق رأسه ، فأمر من حلقه ، فقيل : فيه قولان وقيل : يحنث ، قولا واحدا . وقال أصحاب الرأي : إن حلف لا يبيع ، فوكل من باع ، لم يحنث ، وإن حلف لا يضرب ، ولا يتزوج ، فوكل من فعله ، حنث .

                                                                                                                                            ولنا أن الفعل يطلق على من وكل فيه ، وأمر به ، فيحنث به ، كما لو كان ممن لا يتولاه بنفسه ، وكما لو حلف لا يحلق رأسه ، فأمر من حلقه ، أو لا يضرب ، فوكل من ضرب عند أبي حنيفة ، وقد قال الله تعالى : { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } وقال : { محلقين رءوسكم ومقصرين } . وكان هذا متناولا للاستنابة فيه . ولأن المحلوف عليه وجد من نائبه ، فحنث به ، كما لو حلف لا يدخل دارا ، فأمر من حمله إليها .

                                                                                                                                            وقولهم : إن إضافة الفعل إليه تقتضي المباشرة بمنعه . ولا نسلم أنه إذا وكل في فعل يمتنع على الوكيل التوكيل فيه ، ولئن سلمنا ، فلأن التوكيل يقصد به الأمانة والحذق ، والناس يختلفون فيهما ، فإذا عين واحدا ، لم تجز مخالفة تعيينه ، بخلاف اليمين .

                                                                                                                                            فأما إن نوى بيمينه المباشرة للمحلوف عليه ، أو كان سبب يمينه يقتضيها ، أو قرينة حاله ، تخصص بها ; لأن إطلاقه يقيد بنيته ، أو بما دل عليها ، فأشبه ما لو صرح به بلفظه . وإن حلف ليشترين ، أو ليبيعن ، أو ليضربن ، فوكل من فعل ذلك ، بر ; لما ذكرنا في طرف النفي ، ولذلك لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { رحم الله المحلقين } . تناول من حلق رأسه بأمره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية