الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 173 ] ( وتصرف الصبي والمعتوه ) الذي يعقل البيع والشراء ( إن كان نافعا ) محضا ( كالإسلام والاتهاب صح بلا إذن وإن ضارا كالطلاق والعتاق ) والصدقة والقرض ( لا وإن أذن به وليهما وما تردد ) من العقود ( بين نفع وضرر كالبيع والشراء توقف على الإذن ) حتى لو بلغ فأجازه نفذ ( فإن أذن لهما الولي فهما في شراء وبيع كعبد مأذون ) في كل أحكامه .

( والشرط ) لصحة الإذن ( أن يعقلا البيع سالبا للملك ) عن البائع ( والشراء جالبا له ) زاد الزيلعي : وأن يقصد الربح ويعرف الغبن اليسير من الفاحش [ ص: 174 ] وهو ظاهر

[ ص: 173 ]

التالي السابق


[ ص: 173 ] مبحث في تصرف الصبي ومن له الولاية عليه وترتيبها ( قوله وتصرف الصبي والمعتوه إلخ ) ذكر هذه المسألة في هذا الكتاب نظرا إلى إذن ولي الصبي ، وكونه مأذونا بإذنه وبين حكمه وذكرها في كتاب الحجر حيث قال : ومن عقد منهم وهو يعقله أجازه وليه أو رده نظرا إلى كونه محجورا وبين حكمه يعقوبية ( قوله الذي يعقل البيع والشراء ) صفة لكل من الصبي والمعتوه ط عن الحموي ( قوله محضا ) أي من كل الوجوه ( قوله والاتهاب ) أي قبول الهبة وقبضها وكذا الصدقة قهستاني ( قوله وإن ضارا ) أي من كل وجه أي ضررا دنيويا ، وإن كان فيه نفع أخروي كالصدقة والقرض ( قوله كالطلاق والعتاق ) ولو على مال فإنهما وضعا لإزالة الملك وهي ضرر محض ، ولا يضر سقوط النفقة بالأول وحصول الثواب بالثاني ، وغير ذلك مما لم يوضعا له إذ الاعتبار للوضع وكذا الهبة والصدقة وغيرهما قهستاني ( قوله لا وإن أذن به وليهما ) لاشتراط الأهلية الكاملة ، وكذا لو أجازه بعد بلوغه إلا إذا كانت بلفظ يصلح لابتداء العقد كأوقعت الطلاق أو العتاق ، وكذا لا تصح من غيره كأبيه ووصيه والقاضي للضرر .

قلت : ومواضع الضرورة مستثناة عن قواعد الشرع كما لو كان مجبوبا أو ارتد أو أسلمت امرأته وأبى الإسلام أو كاتب وليه حظه من عبد مشترك ، واستوفى بدلها فقد صار الصبي مطلقا في قول كما صار معتقا وتمامه في القهستاني والبرجندي در منتقى ( قوله كالبيع ) أي ولو بضعف القيمة ; لأن العبرة بأصل وضعه دون ما عرض له باتفاق الحال وهو بأصله متردد بخلاف الهبة له وتحقيقه في المنح ( قوله في كل أحكامه ) فيصير مأذونا بالسكوت ويصح إقراره بما في يده من كسبه ولا يملك تزويج عبده ولا كتابته كما في العبد جوهرة ولا يتقيد بنوع من التجارة ويجوز بيعه بالغبن الفاحش عنده خلافا لهما إلى غير ذلك من الأحكام التي في العبد زيلعي ثم استثنى آخر الباب فقال : إلا أن الولي لا يمنع من التصرف في مالهما وإن كان عليهما دين ، ولا يقبل إقراره عليهما وإن لم يكن عليهما دين بخلاف المولى . والفرق أن إقرار الولي عليهما شهادة ، ; لأنه إقرار على غيره فلا يقبل ودينهما غير متعلق بمالهما ، وإنما هو في الذمة ; لأنهما حران فكان للولي أن يتصرف بعد الدين كما كان له قبله ا هـ .

أقول : وهذا في الحقيقة فرق بين المولى والولي لا بين العبد والصبي ، فلا حاجة لاستثنائه ; لأن الكلام في تصرفات الصبي أشار إليه في المعراج ( قوله أن يعقلا البيع إلخ ) أي أن يعرفا مضمون البيع لا مجرد العبارة يعقوبية وغيرها قال في الولوالجية : فإنه ما من صبي لقن البيع والشراء إلا ويتلقنهما ( قوله سالبا للملك ) أي ملك المبيع وجالبا للثمن وبالعكس في الشراء ( قوله زاد الزيلعي ) أي تبعا لغيره من شراح الهداية وغيرهم ( قوله وأن يقصد الربح ) كان ينبغي له أن يأتي بألف التثنية في يقصد ويعرف ليناسب المتن ح لكن حكى الشارح عبارة الزيلعي وإفراد الضمير هنا باعتبار المذكور والخطب سهل ( قوله ويعرف الغبن إلخ ) بحث شيخنا في هذا الشرط بأن الفرق بين اليسير والفاحش مختص بحذاق التجار فينبغي أن لا يعتبر ح . [ ص: 174 ]

قلت : وأصله للعلامة يعقوب باشا محشي صدر الشريعة ذكره أوائل كتاب الوكالة ، لكنه بحث مصادم للمنقول في المذهب ، فالشأن في تأويله ولعل مرادهم فيما تكون قيمته معروفة مشهورة وإلا فغيره قد يغبن فيه أعقل الناس ، أو المراد أن يعرف أن الخمسة فيما قيمته عشرة مثلا غبن فاحش ، وأن الواحد فيها يسير فإن من لم يدرك الفرق بينهما غير عاقل كصبي دفع له رجل كعبا وأخذ به ثوبه فإنه إذا فرح به ولم يعرف أنه مغبون لا يصح تصرفه أصلا . والظاهر أن هذا هو المراد . وأجاب في وكالة السعدية بأنه قد يقام التمكن من الشيء مقام ذلك الشيء ، فالتمكن من المعرفة بالعقل وذلك موجود في الصبي الذي كلامنا فيه فليتأمل ا هـ .

وحاصله أن ما ذكر كناية عن أن يكون عاقلا ، وليس المراد حقيقة هذه المعرفة فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم ، والله تعالى أعلم ( قوله وهو ظاهر ) كأنه ظاهر بالنسبة إليه أو الجملة حالية . والمعنى أن يعرف الغبن المذكور حال كونه ظاهرا لكل ذي عقل فيكون بمعنى ما أجبنا به




الخدمات العلمية