الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في الماء الجاري

                                                                                                                                                                        هو ضربان : ماء الأنهار المعتدلة ، وماء [ الأنهار ] العظيمة ، أما الأول : فالنجاسة الواقعة فيه مائعة وجامدة ، والمائعة : مغيرة وغيرها . فالمغيرة : تنجس المتغير . وحكم غيره معه كحكمه مع النجاسة الجامدة . وغير المغيرة : إن كان عدم التغير للموافقة في الأوصاف ، فحكمه ما سبق في الراكد . إن كان لقلة النجاسة وامحاقها فيه ، فظاهر المذهب ، وقول الجمهور : أنه كالراكد . وإن كان قليلا ينجس . وإن كان كثيرا فلا . وقال الغزالي : هو طاهر مطلقا ، وفي القديم : لا ينجس الجاري إلا بالتغير .

                                                                                                                                                                        قلت : واختار جماعة الطهارة ، منهم إمام الحرمين ، وصاحب ( التهذيب ) . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأما النجاسة الجامدة ، كالميتة ، فإن غيرت الماء ، نجسته ، وإن لم تغيره ، فتارة تقف ، وتارة تجري مع الماء ، فإن جرت جرية ، فما قبلها وما بعدها طاهران . وما على يمينها وشمالها وفوقها وتحتها ، إن كان قليلا ، فنجس ، وإن كان قلتين ، فقيل : طاهر ، وقيل : على قولي التباعد .

                                                                                                                                                                        وإن وقفت النجاسة ، وجرى الماء عليها ، فحكمه حكم الجارية ، ويزيد هاهنا أن الجاري على النجاسة وهو قليل ، ينجس بملاقاتها ، ولا يجوز استعماله [ ص: 27 ] إلا أن يجتمع في موضع قلتان منه ، وفيه وجه أنه إذا تباعد واغترف من موضع بينه وبين النجاسة قلتان ، جاز استعماله ، والصحيح الأول . وعليه يقال : ماء هو ألف قلة ، نجس بلا تغير ، فهذه صورته .

                                                                                                                                                                        أما النهر العظيم ، فلا يجتنب فيه شيء ، ولا حريم النجاسة ، ولا يجيء فيه الخلاف في التباعد عما حوالي النجاسة . وفيه وجه شاذ أنه يجزئ ، ووجه أنه يجب اجتناب الحريم خاصة ، وبه قطع الغزالي ، وطرده في حريم الراكد أيضا .

                                                                                                                                                                        والمذهب : القطع بأنه لا يجب اجتناب الحريم في الجاري ، ولا في الراكد . ثم العظيم : ما أمكن التباعد فيه عن جوانب النجاسة كلها بقلتين . والمعتدل : ما لا يمكن ذلك فيه . ومن المعتدل : النهر الذي بين حافتيه قلتان فقط .

                                                                                                                                                                        وقال إمام الحرمين : المعتدل : ما يمكن تغيره بالنجاسات المعتادة . والعظيم : ما لا يمكن تغيره بها . وأما الحريم : فما ينسب إلى النجاسة بتحريكه إياها ، وانعطافه عليها ، والتفافه بها .

                                                                                                                                                                        قلت : غير الماء من المائعات ينجس بملاقاة النجاسة وإن كثر . وإنما لا ينجس الماء لقوته . ولو توضأ من بئر ، ثم أخرج منها دجاجة منتفخة ، لم يلزمه أن يعيد من صلاته إلا ما تيقن أنه صلاها بالماء النجس . ذكره صاحب ( العدة ) . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية