الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              19 3 - باب الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء

                                                              3 \ 18 - عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه .

                                                              وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه .

                                                              قال أبو داود: هذا حديث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه . والوهم فيه من همام، ولم يروه إلا همام.

                                                              وقال النسائي: وهذا الحديث غير محفوظ.

                                                              وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. هذا آخر كلامه.

                                                              وهمام هذا هو أبو عبد الله همام بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي مولاهم [ ص: 14 ] البصري، وإن كان قد تكلم فيه بعضهم، فقد اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه، وقال يزيد بن هارون: همام قوي في الحديث: وقال يحيى بن معين: ثقة صالح، وقال أحمد بن حنبل: همام ثبت في كل المشايخ. وقال ابن عدي الجرجاني: وهمام أشهر وأصدق من أن يذكر له حديث منكر، أو له حديث منكر، وأحاديثه مستقيمة عن قتادة، وهو مقدم أيضا في يحيى بن أبي كثير، وعامة ما يرويه مستقيم. هذا آخر كلامه.

                                                              وإذا كان حال همام كذلك فيترجح ما قاله الترمذي، وتفرده به لا يوهن الحديث، وإنما يكون غريبا، كما قال الترمذي. والله عز وجل أعلم.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: قلت: هذا الحديث رواه همام، - وهو ثقة - عن ابن جريج عن الزهري عن أنس.

                                                              قال الدارقطني في كتاب العلل: رواه سعيد بن عامر، وهدبة بن خالد، عن همام، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                              وخالفهم عمرو بن عاصم، فرواه عن همام، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس: أنه كان إذا دخل الخلاء موقوفا، ولم يتابع عليه.

                                                              ورواه يحيى بن المتوكل، ويحيى بن الضريس، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس، نحو قول سعيد بن عامر ومن تابعه عن همام.

                                                              ورواه عبد الله بن الحارث المخزومي، وأبو عاصم، وهشام بن سليمان، وموسى بن طارق، عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس: أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب، فاضطرب الناس [ ص: 15 ] الخواتيم، فرمى به النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لا ألبسه أبدا ، وهذا هو المحفوظ والصحيح عن ابن جريج. انتهى كلام الدارقطني.

                                                              [ق4] وحديث يحيى بن المتوكل الذي أشار إليه، رواه البيهقي من حديث يحيى بن المتوكل، عن ابن جريج به، ثم قال: هذا شاهد ضعيف.

                                                              وإنما ضعفه؛ لأن يحيى هذا قال فيه الإمام أحمد: واهي الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، وضعفه الجماعة كلهم.

                                                              وأما حديث يحيى بن الضريس، فيحيى هذا ثقة، فينظر الإسناد إليه.

                                                              وهمام وإن كان ثقة صدوقا احتج به الشيخان في "الصحيح"، فإن يحيى بن سعيد كان لا يحدث عنه ولا يرضى حفظه.

                                                              قال أحمد: ما رأيت يحيى أسوأ رأيا منه في حجاج - يعني ابن أرطاة - وابن إسحاق، وهمام، لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم.

                                                              وقال يزيد بن زريع - وسئل عن همام-: كتابه صالح، وحفظه لا يسوى شيئا.

                                                              [ ص: 16 ] وقال عفان: كان همام لا يكاد يرجع إلى كتابه ولا ينظر فيه، وكان يخالف فلا يرجع إلى كتابه، وكان يكره ذلك.

                                                              قال: ثم رجع بعد فنظر في كتبه، فقال: يا عفان، كنا نخطئ كثيرا فنستغفر الله عز وجل.

                                                              ولا ريب أنه ثقة صدوق، ولكنه قد خولف في هذا الحديث، فلعله مما حدث به من حفظه فغلط فيه، كما قال أبو داود والنسائي والدارقطني.

                                                              وكذلك ذكر البيهقي أن المشهور عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق، ثم ألقاه .

                                                              وعلى هذا فالحديث شاذ أو منكر، كما قال أبو داود، وغريب كما قال الترمذي.

                                                              فإن قيل: فغاية ما ذكر في تعليله تفرد همام به.

                                                              وجواب هذا من وجهين: أحدهما: أن هماما لم ينفرد به كما تقدم.

                                                              الثاني: أن هماما ثقة، وتفرد الثقة لا يوجب نكارة الحديث، فقد تفرد عبد الله بن دينار بحديث النهي عن بيع الولاء وهبته.

                                                              وتفرد مالك بحديث دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة وعلى رأسه المغفر. فهذا غايته أن يكون غريبا كما قال الترمذي، وأما أن يكون منكرا أو شاذا فلا.

                                                              [ ص: 17 ] قيل: التفرد نوعان: تفرد لم يخالف فيه من تفرد به، كتفرد مالك وعبد الله بن دينار بهذين الحديثين، وأشباه ذلك.

                                                              وتفرد خولف فيه المتفرد، كتفرد همام بهذا المتن على هذا الإسناد، فإن الناس خالفوه فيه، وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق الحديث. فهذا هو المعروف عن ابن جريج، عن الزهري، فلو لم يرو هذا عن ابن جريج، وتفرد همام بحديثه، لكان نظير حديث عبد الله بن دينار ونحوه.

                                                              فينبغي مراعاة هذا الفرق وعدم إهماله.

                                                              وأما متابعة يحيى بن المتوكل فضعيفة، وحديث ابن الضريس ينظر في حاله ومن أخرجه.

                                                              فإن قيل: هذا الحديث كان عند الزهري على وجوه كثيرة، كلها قد رويت عنه في قصة الخاتم، فروى شعيب بن أبي حمزة، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن الزهري، كرواية زياد بن سعد هذه أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق .

                                                              ورواه يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أنس: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق فصه حبشي .

                                                              [ ص: 18 ] ورواه سليمان بن بلال، وطلحة بن يحيى، ويحيى بن نصر بن حاجب، عن يونس، عن الزهري، وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتما من فضة في يمينه، فيه فص حبشي جعله في باطن كفه ورواه إبراهيم بن سعد، عن الزهري، بلفظ آخر قريب من هذا.

                                                              ورواه همام، عن ابن جريج، عن الزهري، كما ذكره الترمذي وصححه. وإذا كانت هذه الروايات كلها عند الزهري، فالظاهر أنه حدث بها في أوقات، فما الموجب لتغليط همام وحده؟.

                                                              قيل: هذه الروايات كلها تدل على غلط همام، فإنها مجمعة على أن الحديث إنما هو في اتخاذ الخاتم ولبسه، وليس في شيء منها نزعه إذا دخل الخلاء.

                                                              فهذا هو الذي حكم لأجله هؤلاء الحفاظ بنكارة الحديث وشذوذه.

                                                              والمصحح له لما لم يمكنه دفع هذه العلة حكم بغرابته لأجلها، فلو لم يكن مخالفا لرواية من ذكر فما وجه غرابته؟ ولعل الترمذي موافق للجماعة، فإنه صححه من جهة السند لثقة الرواة، واستغربه لهذه العلة، وهي التي منعت أبا داود من تصحيح متنه، فلا يكون بينهما اختلاف، بل هو صحيح السند لكنه [ ص: 19 ] معلول. والله أعلم.




                                                              الخدمات العلمية