الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
" فصل في معرفة العموم والخصوص "

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي - رحمه الله - : " قال الله - تبارك وتعالى - : ( خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل ) .

وقال تعالى : ( خلق السماوات والأرض ) . وقال تعالى : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) . فهذا عام لا خاص فيه ، فكل شيء : من سماء ، وأرض ، وذي روح ، وشجر ، وغير ذلك - فالله خالقه . وكل دابة فعلى الله رزقها ، ويعلم مستقرها ، ومستودعها ، وقال - عز وجل - : ( إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله ) [ ص: 24 ] ( أتقاكم ) . وقال تعالى : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات ) ... ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) الآية . وقال تعالى : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) الآية " .

قال الشافعي : " فبين في كتاب الله أن في هاتين الآيتين العموم ، والخصوص . فأما العموم منها ففي قوله - عز وجل - : ( إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) . فكل نفس خوطبت بهذا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبله وبعده - مخلوقة من ذكر ، وأنثى ، وكلها شعوب وقبائل " .

" والخاص منها في قوله - عز وجل - : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) . لأن التقوى إنما تكون على من عقلها وكان من أهلها : - من البالغين من بني آدم - دون المخلوقين من الدواب سواهم ، ودون المغلوب على عقولهم منهم ، والأطفال الذين لم يبلغوا عقل التقوى منهم . فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها وكان من أهلها ، أو خالفها فكان من غير أهلها . [ ص: 25 ] وفي السنة دلالة عليه ؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رفع القلم عن ثلاثة : النائم حتى يستيقظ ، والصبي حتى يبلغ ، والمجنون حتى يفيق " .

قال الشافعي - رحمه الله - : " وهكذا التنزيل في الصوم ، والصلاة على البالغين العاقلين دون من لم يبلغ ممن غلب على عقله ، ودون الحيض في أيام حيضهن " .

التالي السابق


الخدمات العلمية