الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كتب

                                                          كتب : الكتاب : معروف ، والجمع كتب وكتب . كتب الشيء يكتبه كتبا وكتابا وكتابة ، وكتبه : خطه ; قال أبو النجم :


                                                          أقبلت من عند زياد كالخرف تخط رجلاي بخط مختلف     تكتبان في الطريق لام الف



                                                          قال : ورأيت في بعض النسخ تكتبان ، بكسر التاء ، وهي لغة بهراء يكسرون التاء ، فيقولون : تعلمون ، ثم أتبع الكاف كسرة التاء . والكتاب أيضا : الاسم ، عن اللحياني . الأزهري : الكتاب اسم لما كتب مجموعا ; والكتاب مصدر ; والكتابة لمن تكون له صناعة ، مثل الصياغة والخياطة . والكتبة : اكتتابك كتابا تنسخه . ويقال : اكتتب فلان فلانا أي سأله أن يكتب له كتابا في حاجة . واستكتبه الشيء أي سأله أن يكتبه له . ابن سيده : اكتتبه ككتبه . وقيل : كتبه خطه واكتتبه : استملاه ، وكذلك استكتبه . واكتتبه : كتبه واكتتبته : كتبته . وفي التنزيل العزيز : اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ; أي استكتبها . ويقال : اكتتب الرجل إذا كتب نفسه في ديوان السلطان . وفي الحديث : قال له رجل إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا ; أي كتبت اسمي في جملة الغزاة . وتقول : أكتبني هذه القصيدة أي أملها علي . والكتاب : ما كتب فيه . وفي الحديث : من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه ، فكأنما ينظر في النار ; قال ابن الأثير : هذا تمثيل أي كما يحذر النار ، فليحذر هذا الصنيع ، قال : وقيل معناه كأنما ينظر إلى ما يوجب عليه النار ; قال : ويحتمل أنه أراد عقوبة البصر ؛ لأن الجناية منه ، كما يعاقب السمع إذا استمع إلى قوم ، وهم له كارهون ; قال : وهذا الحديث محمول على الكتاب الذي فيه سر وأمانة ، يكره صاحبه أن يطلع عليه ; وقيل : هو عام في كل كتاب . وفي الحديث : لا تكتبوا عني غير القرآن . قال ابن الأثير : وجه الجمع بين هذا [ ص: 18 ] الحديث ، وبين إذنه في كتابة الحديث عنه ، فإنه قد ثبت إذنه فيها ، أن الإذن ، في الكتابة ، ناسخ للمنع منها بالحديث الثابت ، وبإجماع الأمة على جوازها ، وقيل : إنما نهى أن يكتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة ، والأول الوجه . وحكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء : أنه سمع بعض العرب يقول ، وذكر إنسانا فقال : فلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها ، فقلت له : أتقول جاءته كتابي ؟ فقال : نعم ، أليس بصحيفة ! فقلت له : ما اللغوب ؟ فقال : الأحمق ; والجمع كتب . قال سيبويه : هو مما استغنوا فيه ببناء أكثر العدد عن بناء أدناه ، فقالوا : ثلاثة كتب . والمكاتبة والتكاتب بمعنى . والكتاب ، مطلق : التوراة ; وبه فسر الزجاج قوله تعالى : نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب وقوله : كتاب الله جائز أن يكون القرآن ، وأن يكون التوراة ، لأن الذين كفروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد نبذوا التوراة . وقوله تعالى : والطور وكتاب مسطور . قيل : الكتاب ما أثبت على بني آدم من أعمالهم . والكتاب : الصحيفة والدواة ، عن اللحياني . قال : وقد قرئ ولم تجدوا كتابا وكتابا وكاتبا ; فالكتاب ما يكتب فيه ; وقيل الصحيفة والدواة ، وأما الكاتب والكتاب فمعروفان . وكتب الرجل وأكتبه إكتابا : علمه الكتاب . ورجل مكتب : له أجزاء تكتب من عنده . والمكتب : المعلم ; وقال اللحياني : هو المكتب الذي يعلم الكتابة . قال الحسن : كان الحجاج مكتبا بالطائف ، يعني معلما ; ومنه قيل : عبيد المكتب ، لأنه كان معلما . والمكتب : موضع الكتاب . والمكتب والكتاب : موضع تعليم الكتاب ، والجمع الكتاتيب والمكاتب . المبرد : المكتب موضع التعليم ، والمكتب المعلم ، والكتاب الصبيان ; قال : ومن جعل الموضع الكتاب ، فقد أخطأ . ابن الأعرابي : يقال لصبيان المكتب الفرقان أيضا . ورجل كاتب ، والجمع كتاب وكتبة ، وحرفته الكتابة . والكتاب : الكتبة . ابن الأعرابي : الكاتب عندهم العالم . قال الله تعالى : أم عندهم الغيب فهم يكتبون ؟ وفي كتابه إلى أهل اليمن : قد بعثت إليكم كاتبا من أصحابي ; أراد عالما ، سمي به ؛ لأن الغالب على من كان يعرف الكتابة أن عنده العلم والمعرفة ، وكان الكاتب عندهم عزيزا وفيهم قليلا . والكتاب : الفرض والحكم والقدر ; قال الجعدي :


                                                          يا ابنة عمي كتاب الله أخرجني     عنكم ، وهل أمنعن الله ما فعلا



                                                          والكتبة : الحالة : والكتبة : الاكتتاب في الفرض والرزق . ويقال : اكتتب فلان أي كتب اسمه في الفرض . وفي حديث ابن عمر : من اكتتب ضمنا ، بعثه الله ضمنا يوم القيامة ، أي من كتب اسمه في ديوان الزمنى ولم يكن زمنا ، يعني الرجل من أهل الفيء ، فرض له في الديوان فرض ، فلما ندب للخروج مع المجاهدين ، سأل أن يكتب في الضمنى وهم الزمنى وهو صحيح . والكتاب يوضع موضع الفرض . قال الله تعالى : كتب عليكم القصاص في القتلى . وقال عز وجل : كتب عليكم الصيام معناه : فرض . وقال : وكتبنا عليهم فيها أي فرضنا . ومن هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجلين احتكما إليه : لأقضين بينكما بكتاب الله أي بحكم الله الذي أنزل في كتابه ، أو كتبه على عباده ، ولم يرد القرآن ؛ لأن النفي والرجم لا ذكر لهما فيه ، وقيل : معناه أي بفرض الله تنزيلا أو أمرا ، بينه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - . وقوله تعالى : كتاب الله عليكم ; مصدر أريد به الفعل أي كتب الله عليكم ; قال : وهو قول حذاق النحويين . وفي حديث أنس بن النضر ، قال له : كتاب الله القصاص أي فرض الله على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - وقيل : هو إشارة إلى قول الله عز وجل : والسن بالسن وقوله تعالى : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به . وفي حديث بريرة : من اشترط شرطا ليس في كتاب الله أي ليس في حكمه ، ولا على موجب قضاء كتابه ؛ لأن كتاب الله أمر بطاعة الرسول ، وأعلم أن سنته بيان له ، وقد جعل الرسول الولاء لمن أعتق ، لا أن الولاء مذكور في القرآن نصا . والكتبة : اكتتابك كتابا تنسخه . واستكتبه : أمره أن يكتب له ، أو اتخذه كاتبا . والمكاتب : العبد يكاتب على نفسه بثمنه ، فإذا سعى وأداه عتق . وفي حديث بريرة : أنها جاءت تستعين بعائشة - رضي الله عنها - في كتابتها . قال ابن الأثير : الكتابة أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه إليه منجما ، فإذا أداه صار حرا . قال : وسميت كتابة ، بمصدر كتب ؛ لأنه يكتب على نفسه لمولاه ثمنه ، ويكتب مولاه له عليه العتق . وقد كاتبه مكاتبة ، والعبد مكاتب . قال : وإنما خص العبد بالمفعول ؛ لأن أصل المكاتبة من المولى ، وهو الذي يكاتب عبده . ابن سيده : كاتبت العبد : أعطاني ثمنه على أن أعتقه . وفي التنزيل العزيز : والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا . معنى الكتاب والمكاتبة : أن يكاتب الرجل عبده أو أمته على مال ينجمه عليه ، ويكتب عليه أنه إذا أدى نجومه ، في كل نجم كذا وكذا ، فهو حر فإذا أدى جميع ما كاتبه عليه فقد عتق ، وولاؤه لمولاه الذي كاتبه . وذلك أن مولاه سوغه كسبه الذي هو في الأصل لمولاه ، فالسيد مكاتب ، والعبد مكاتب إذا عقد عليه ما فارقه عليه من أداء المال ; سميت مكاتبة لما يكتب للعبد على السيد من العتق إذا أدى ما فورق عليه ، ولما يكتب للسيد على العبد من النجوم التي يؤديها في محلها ، وأن له تعجيزه إذا عجز عن أداء نجم يحل عليه . الليث : الكتبة الخرزة المضمومة بالسير ، وجمعها كتب . ابن سيده : الكتبة ، بالضم ، الخرزة التي ضم السير كلا وجهيها . وقال اللحياني : الكتبة السير الذي تخرز به المزادة والقربة ، والجمع كتب ، بفتح التاء ; قال ذو الرمة :


                                                          وفراء غرفية أثأى خوارزها     مشلشل ضيعته بينها الكتب



                                                          الوفراء : الوافرة . والغرفية : المدبوغة بالغرف ، وهو شجر يدبغ به . وأثأى : أفسد . والخوارز : جمع خارزة . وكتب السقاء والمزادة والقربة ، يكتبه كتبا : خرزه بسيرين فهي كتيب . وقيل : هو أن يشد فمه حتى لا يقطر منه شيء . وأكتبت القربة : شددتها بالوكاء ، وكذلك كتبتها كتبا فهي مكتب وكتيب . ابن الأعرابي : سمعت أعرابيا يقول : أكتبت فم السقاء فلم يستكتب أي لم يستوك لجفائه [ ص: 19 ] وغلظه . وفي حديث المغيرة : وقد تكتب يزف في قومه أي تحزم وجمع عليه ثيابه ، من كتبت السقاء إذا خرزته . وقال اللحياني : اكتب قربتك اخرزها ، وأكتبها : أوكها ; يعني شد رأسها . والكتب : الجمع ، تقول منه : كتبت البغلة إذا جمعت بين شفريها بحلقة أو سير . والكتبة : ما شد به حياء البغلة ، أو الناقة ، لئلا ينزى عليها . والجمع كالجمع . وكتب الدابة والبغلة والناقة يكتبها ، ويكتبها كتبا ، وكتب عليها : خزم حياءها بحلقة حديد أو صفر تضم شفري حيائها ؛ لئلا ينزى عليها ; قال :


                                                          لا تأمنن فزاريا خلوت به     على بعيرك واكتبها بأسيار



                                                          وذلك لأن بني فزارة كانوا يرمون بغشيان الإبل . والبعير هنا : الناقة . ويروى : على قلوصك . وأسيار : جمع سير ، وهو الشركة . أبو زيد : كتبت الناقة تكتيبا إذا صررتها . والناقة إذا ظئرت على غير ولدها ، كتب منخراها بخيط ، قبل حل الدرجة عنها ، ليكون أرأم لها . ابن سيده : وكتب الناقة يكتبها كتبا : ظأرها ، فخزم منخريها بشيء ، لئلا تشم البو ، فلا ترأمه . وكتبها تكتيبا ، وكتب عليها : صررها . والكتيبة : ما جمع فلم ينتشر ; وقيل : هي الجماعة المستحيزة من الخيل أي في حيز على حدة . وقيل : الكتيبة جماعة الخيل إذا أغارت ، من المائة إلى الألف . والكتيبة : الجيش . وفي حديث السقيفة : نحن أنصار الله وكتيبة الإسلام . الكتيبة : القطعة العظيمة من الجيش ، والجمع الكتائب . وكتب الكتائب : هيأها كتيبة كتيبة ; قال طفيل :


                                                          فألوت بغاياهم بنا وتباشرت     إلى عرض جيش غير أن لم يكتب



                                                          وتكتبت الخيل أي تجمعت . قال شمر : كل ما ذكر في الكتب قريب بعضه من بعض ، وإنما هو جمعك بين الشيئين . يقال اكتب بغلتك ، وهو أن تضم بين شفريها بحلقة ، ومن ذلك سميت الكتيبة لأنها تكتبت فاجتمعت ; ومنه قيل : كتبت الكتاب لأنه يجمع حرفا إلى حرف ; وقول ساعدة بن جؤية :


                                                          لا يكتبون ولا يكت عديدهم     جفلت بساحتهم كتائب أوعبوا



                                                          قيل : معناه لا يكتبهم كاتب من كثرتهم ، وقد قيل : معناه لا يهيئون . وتكتبوا : تجمعوا . والكتاب : سهم صغير ، مدور الرأس ، يتعلم به الصبي الرمي ، وبالثاء أيضا ; والتاء في هذا الحرف أعلى من الثاء . وفي حديث الزهري : الكتيبة أكثرها عنوة ، وفيها صلح . الكتيبة مصغرة : اسم لبعض قرى خيبر ; يعني أنه فتحها قهرا ، لا عن صلح . وبنو كتب : بطن ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية