الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كثب

                                                          كثب : الكثب ، بالتحريك : القرب . وهو كثبك أي قربك ; قال سيبويه : لا يستعمل إلا ظرفا . ويقال : هو يرمي من كثب ، ومن كثم أي من قرب وتمكن ; أنشد أبو إسحاق :


                                                          فهذان يذودان ، وذا من كثب ، يرمي



                                                          وأكثبك الصيد والرمي ، وأكثب لك : دنا منك وأمكنك ، فارمه . وأكثبوا لكم : دنوا منكم . النضر : أكثب فلان إلى القوم أي دنا منهم ; وأكثب إلى الجبل أي دنا منه . وكاثبت القوم أي دنوت منهم . وفي حديث بدر : إن أكثبكم القوم فانبلوهم ; وفي رواية : إذا كثبوكم فارموهم بالنبل من كثب . وأكثب إذا قارب ، والهمزة في أكثبكم لتعدية كثب ، فلذلك عداها إلى ضميرهم . وفي حديث عائشة تصف أباها - رضي الله عنهما - : وظن رجال أن قد أكثبت أطماعهم أي قربت . ويقال : كثب القوم إذا اجتمعوا ، فهم كاثبون . وكثبوا لكم : دخلوا بينكم وفيكم ، وهو من القرب . وكثب الشيء يكثبه ويكثبه كثبا : جمعه من قرب وصبه ; قال الشاعر :


                                                          لأصبح رتما دقاق الحصى     مكان النبي من الكاثب



                                                          قال : يريد بالنبي ، ما نبا من الحصى إذا دق فندر . والكاثب : الجامع لما ندر منه ; ويقال : هما موضعان ، وسيأتي في أثناء هذه الترجمة أيضا . وفي حديث أبي هريرة : كنت في الصفة فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمر عجوة فكثب بيننا ، وقيل : كلوه ولا توزعوه أي ترك بين أيدينا مجموعا . ومنه الحديث : جئت عليا - عليه السلام - وبين يديه قرنفل مكثوب أي مجموع . وانكثب الرمل : اجتمع . والكثيب من الرمل : القطعة تنقاد محدودبة . وقيل : هو ما اجتمع واحدودب ، والجمع : أكثبة وكثب وكثبان ، مشتق من ذلك ، وهي تلال الرمل . وفي التنزيل العزيز : وكانت الجبال كثيبا مهيلا . قال الفراء : الكثيب الرمل . والمهيل : الذي تحرك أسفله فينهال عليك من أعلاه . الليث : كثبت التراب فانكثب إذا نثرت بعضه فوق بعض . أبو زيد : كثبت الطعام أكثبه كثبا ، ونثرته نثرا ، وهما واحد . وكل ما انصب في شيء واجتمع ، فقد انكثب فيه . والكثبة من الماء واللبن : القليل منه ، وقيل : هي مثل الجرعة : تبقى في الإناء ، وقيل : قدر حلبة . وقال أبو زيد : ملء القدح من اللبن ; ومنه قول العرب ، في بعض ما تضعه على ألسنة البهائم ، قالت الضائنة : أولد رخالا ، وأجز جفالا ، وأحلب كثبا ثقالا ، ولم تر مثلي مالا . والجمع الكثب ، قال الراجز :


                                                          برح بالعينين خطاب الكثب     يقول : إني خاطب وقد كذب
                                                          وإنما يخطب عسا من حلب



                                                          يعني الرجل يجيء بعلة الخطبة ، وإنما يريد القرى . قال ابن الأعرابي : يقال للرجل إذا جاء يطلب القرى ، بعلة الخطبة : إنه ليخطب كثبة ، وأنشد الأزهري لذي الرمة :


                                                          ميلاء من معدن الصيران قاصية     أبعارهن على أهدافها كثب



                                                          وأكثب الرجل : سقاه كثبة من لبن . وكل طائفة من طعام أو تمر أو تراب أو نحو ذلك ، فهو كثبة . بعد أن يكون قليلا . وقيل : كل مجتمع من طعام ، أو غيره ، بعد أن يكون قليلا فهو كثبة . ومنه سمي الكثيب من الرمل ، لأنه انصب في مكان فاجتمع فيه . وفي الحديث : ثلاثة على كثب المسك ، وفي رواية على كثبان المسك ، هما جمع كثيب . والكثيب : الرمل المستطيل المحدودب . ويقال للتمر ، أو للبر ونحوه إذا كان مصبوبا في مواضع ، فكل صوبة منها : كثبة . وفي حديث ماعز بن مالك : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر برجمه حين اعترف بالزنى ، ثم قال : يعمد أحدكم إلى المرأة المغيبة فيخدعها بالكثبة ، لا أوتى بأحد منهم فعل ذلك ، إلا جعلته نكالا . قال أبو عبيد ، قال شعبة : سألت سماكا عن الكثبة ، فقال : القليل من اللبن ; قال أبو عبيد : وهو كذلك في غير اللبن . أبو حاتم : احتلبوا كثبا أي من كل شاة شيئا قليلا . وقد كثب لبنها إذا قل إما عند غزارة ، وإما عند قلة كلإ . والكثبة : كل قليل جمعته من طعام ، أو لبن أو غير ذلك . والكثباء ، ممدود : التراب . ونعم كثاب : كثير . والكثاب : [ ص: 26 ] السهم عامة ، وما رماه بكثاب أي بسهم ، وقيل : هو الصغير من السهام هاهنا . الأصمعي : الكثاب سهم لا نصل له ، ولا ريش ، يلعب به الصبيان ; قال الراجز في صفة الحية :


                                                          كأن قرصا من طحين معتلث     هامته في مثل كثاب العبث



                                                          وجاء يكثبه أي يتلوه . والكاثبة من الفرس : المنسج ; وقيل : هو ما ارتفع من المنسج ; وقيل : هو مقدم المنسج ، حيث تقع عليه يد الفارس ، والجمع الكواثب ; وقيل : هي من أصل العنق إلى ما بين الكتفين ; قال النابغة :


                                                          لهن عليهم عادة قد عرفنها     إذا عرض الخطي فوق الكواثب



                                                          وقد قيل في جمعه : أكثاب ; قال ابن سيده : ولا أدري كيف ذلك . وفي الحديث : يضعون رماحهم على كواثب خيلهم ، وهي من الفرس ، مجتمع كتفيه قدام السرج . و الكاثب : موضع ، وقيل : جبل ; قال أوس بن حجر يرثي فضالة بن كلدة الأسدي :


                                                          على السيد الصعب ، لو أنه     يقوم على ذروة الصاقب
                                                          لأصبح رتما دقاق الحصى     مكان النبي من الكاثب



                                                          النبي : موضع ، وقيل : هو ما نبا وارتفع . قال ابن بري : النبي رمل معروف ، ويقال : هو جمع ناب ، كغاز وغزي . وقوله : لأصبح هو جواب لو في البيت الذي قبله ; يقول : لو علا فضالة هذا على الصاقب ، وهو جبل معروف في بلاد بني عامر ، لأصبح مدقوقا مكسورا ، يعظم بذلك أمر فضالة . وقيل : إن قوله يقوم ، بمعنى يقاومه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية