الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين

فمن الحوادث فيها:

أن عمر أمر جيوش العراق بطلب جيوش فارس ، فبعث بعضهم إلى كرمان ، وأصبهان ، وقد قيل: إنما كان ذلك في سنة ثمان عشرة .

[أخبرنا محمد بن الحسين ، وإسماعيل بن أحمد قالا: أخبرنا ابن النقور قال: أخبرنا المخلص قال: حدثنا السري بن يحيى قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف ، عن] محمد ، والمهلب ، وطلحة ، وعمرو ، وسعيد قالوا: لما رأى عمر رضي الله عنه يزدجرد يبعث عليه في كل عام حربا ، وقيل: لا يزال على هذا الدأب حتى يخرج من مملكته ، أذن للناس في الانسياح في أرض العجم حتى يغلبوا يزدجرد على ما كان في يد كسرى ، فوجه الأمراء من أهل البصرة عند عمر ، فمنها: أبو النعيم بن مقرن وأمره بالمسير إلى همدان ، وقد كان أهلها كفروا بعد الصلح ، وقالوا له: إن فتح الله عليك فأنت والي ما وراءك كذلك إلى خراسان ، وبعث عتبة بن فرقد ، وبكير بن عبد الله ، وعقد لهما على أذربيجان ، وبعث إلى عبد الله بلواء وأمره أن يسير إلى أصبهان ، وأمده بأبي موسى من البصرة ، فالتقى المسلمون ومقدمة المشركين برستاق من رساتيق أصبهان ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم أهل أصبهان ، وصالحوا . [ ص: 308 ]

وفي هذه السنة:

ولى عمر عمارا الكوفة ، وابن مسعود بيت مالها ، وعثمان بن حنيف مساحة الأرض .

[أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال:

أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا وكيع بن الجراح ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن] حارثة بن مصرف قال: قرئ علينا كتاب عمر بن الخطاب : أما بعد ، فإني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا ، وابن مسعود معلما ووزيرا ، وجعلت ابن مسعود على بيت مالكم ، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، من أهل بدر ، فاسمعوا لهما ، وأطيعوا ، واقتدوا بهما ، وقد آثرتكم بابن أم عبد على نفسي ، وبعثت عثمان بن حنيف على السواد ، ورزقتهما كل يوم شاة ، فاجعلوا شطرها وبطنها لعمار -وفي رواية أخرى: ووليت حذيفة بن اليمان ما سقت دجلة ، ووليت عثمان بن حنيف الفرات وما سقى أذربيجان ، فاجعلوا الشطر الثاني بين هؤلاء الثلاثة- . [أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت] قال: بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عثمان بن حنيف إلى العراق عاملا ، وأمره بمساحة سقي الفرات ، فمسح الكور والطساسيج بالجانب الغربي من دجلة ، وكان كور فيروز -وهي طسوج الأنبار- وكان أول السواد شربا من الفرات ، ثم طسوج مسكن ، وهو أول حدود السواد في الجانب الغربي من دجلة وشربه من دجيل ، ويتلوه طسوج قطربل ، وشربه أيضا من دجيل ، ثم طسوج بادرويا ، وهو طسوج مدينة السلام ، وكان أجل طساسيج السواد جميعا ، وكان كل طسوج يتقلده فيما يقدم عامل واحد سوى طسوج بادرويا ، فإنه كان يتقلده عاملان لجلالته وكثرة ارتفاعه ، ولم يزل خطيرا عند الفرس ومقدما على ما سواه ، وورد عثمان بن حنيف المدائن في حال ولايته .

[أخبرنا عبد الرحمن بن القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت [ ص: 309 ] الخطيب ، أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا عبد الله بن إسحاق البصري ، أخبرنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو عبد الله ، حدثنا الأنصاري محمد بن عبد الله ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ] ، عن أبي مجلز : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث عمار بن ياسر إلى أهل الكوفة على صلاتهم وجيوشهم ، وعبد الله بن مسعود على قضائهم وبيت مالهم ، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض ، ثم فرض لهم في كل يوم شاة ، شطرها وسواقطها لعمار ، والشطر الآخر بين هذين الرجلين ، ثم قال: ما أرى قرية يؤخذ منها كل يوم شاة إلا سريعا في خرابها . قال: ومسح عثمان بن حنيف الأرض فجعل على جريب الكرم عشرة دراهم ، وعلى جريب النخل خمسة دراهم ، وعلى جريب القصب ستة دراهم ، وعلى جريب البر أربعة دراهم ، وعلى جريب الشعير درهمين .

[قال أبو عبيد: وحدثنا إسماعيل بن مجالد ، عن أبيه] ، عن الشعبي : أن عمر رضي الله عنه بعث عثمان بن حنيف فمسح السواد ، فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب ، فوضع على كل جريب درهما وقفيزا .

قال أبو عبيد: وأرى هذا الحديث هو المحفوظ . ويقال: إن حد السواد الذي وقعت عليه المساحة من لدن تخوم الموصل مادا من الماء إلى ساحل البحرين من بلاد عبادان وشرقي دجلة ، هذا طوله . وأما عرضه: فحده منقطع الجبل من أرض حلوان إلى منتهى طرف القادسية المتصل بالعذيب من أرض العرب ، فهذا حدود السواد ، وعليها الخراج وقع .

وفي رواية أبي مجلز قال: بعث عمر بن الخطاب عثمان بن حنيف على خراج السواد ، ورزقه كل يوم ربع شاة وخمسة دراهم ، وأمره أن يمسح السواد عامره وغامره ، ولا يمسح سبخه ولا تلاله ولا أجمه ، ولا مستنقع ماء ، وما لا يبلغه الماء ، فمسح كل شيء [ ص: 310 ] دون الجبل -يعني جبل حلوان- إلى أرض العرب وهو أسفل الفرات ، وكتب إلى عمر: إني وجدت كل شيء بلغه الماء من عامر وغامر ستة وثلاثين ألف ألف جريب ، وكان ذراع عمر الذي مسح به السواد ذراعا وقبضة ، والإبهام مضجعة . وكتب إليه عمر: أن أفرض على كل جريب عامر أو غامر ، عمله صاحبه أو لم يعمله درهما وقفيزا ، وفرض على الكروم كل جريب عشرة دراهم ، وعلى الرطاب خمسة دراهم ، وأطعمهم النخل والشجر ، فقال: هذا قوة لهم على عمارة بلادهم ، وفرض على رقاب أهل الذمة على الموسر ثمانية وأربعين درهما ، وعلى من دون ذلك أربعة وعشرين ، وعلى من لا يجد اثني عشر درهما ، فحمل من خراج سواد الكوفة إلى عمر في أول سنة ستة وثمانون ألف ألف درهم ، وحمل من قابل عشرون ومائة ألف ألف درهم ، فلم يزل على ذلك .

قال المؤلف: وقد ذكرنا أن مقدار هذا الطول مائة وخمسة وعشرون فرسخا ، وقدر العرض ثمانون فرسخا ، فجبى السواد مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف ، وجباه عمر بن عبد العزيز مائة ألف ألف درهم ، وأربعة وعشرين ألف ألف درهم بعد أن جباه الحجاج بظلمه وعسفه مائة ألف ألف وثمانية عشر ألف ألف درهم ، وكان الحجاج قد منع ذبح البقر ليكثر الحرث . فقال الشاعر:


شكونا إليه خراب السواد فحرم فينا لحوم البقر

وقد كان هذا السواد يجبي في زمان الأكاسرة مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم ، وكان خراج مصر في أيام فرعون ستة وتسعين ألف ألف دينار ، فجباها عبد الله بن الحبحاب في أيام بني أمية ألفي ألف وسبع مائة ألف وثلاثة وعشرين ألفا وثمانمائة وسبع دنانير ، وحمل منها عيسى بن موسى في أيام بني العباس ألفي ألف ومائة ألف وثمانين ألف دينار .

وإنما سمي سوادا لأن العرب حين جاءوا نظروا إلى مثل الليل من النخل والشجر والماء فسموه سوادا . [ ص: 311 ]

وذكر بعض أهل العلم أن الفرس كانت تجبي خراج فارس أربعين ألف ألف مثقال ، لأنها بلاد ضيقة ، وتجبي كرمان -لكثرة عيونها وقنبها- ستين ألف ألف مثقال ، لأنها كثيرة العيون ، وتجبي خوزستان خمسين ألف ألف درهم ، والسواد مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم ، والجبل والري إلى حلوان ثلاثين ألف ألف سوى خراسان ، ويخففون الخراج على الأطراف .

وذكر بعض العلماء أنه كان خراج مصر ألف ألف وسبعمائة ألف دينار ، وخراج قنسرين والعواصم أربعمائة ألف دينار ، وخراج الموصل أربعة آلاف ألف دينار ، وثلاثة وعشرين ألف دينار .

وفي هذه السنة:

ضربت الدراهم على نقش الكسروية ، وعلى تلك السكك بأعيانها ، إلا أنه جعل فيها اسم الله ، فبعضها كتب فيه: "الحمد لله" ، وبعضها: "محمد رسول الله" ، وبعضها: "لا إله إلا الله" وبعضها "عمر" .

وفيها: سار عمرو بن العاص إلى طرابلس -وهي برقة- وصالح أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار .

وفيها: حج عمر بن الخطاب بالناس وخلف على المدينة زيد بن ثابت .

وفيها: ولد الحسن البصري ، وعامر الشعبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية