nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73nindex.php?page=treesubj&link=28976_29434_29706_29433لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=74أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم .
استئناف قصد منه الانتقال إلى إبطال مقالة أخرى من مقالات طوائف
[ ص: 282 ] النصارى ، وهي مقالة الملكانية المسمين بالجاثليقية ، وعليها معظم طوائف
النصارى في جميع الأرض . وقد تقدم بيانها عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة من سورة النساء ، وأن قوله فيها
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171ولا تقولوا ثلاثة يجمع الرد على طوائف
النصارى كلهم . والمراد بـ قالوا اعتقدوا فقالوا ، لأن شأن القول أن يكون صادرا عن اعتقاد ، وقد تقدم بيان ذلك .
ومعنى قولهم إن الله ثالث ثلاثة أن ما يعرفه الناس أنه الله هو مجموع ثلاثة أشياء ، وأن المستحق للاسم هو أحد تلك الأشياء الثلاثة . وهذه الثلاثة قد عبروا عنها بالأقانيم وهي : أقنوم الوجود وهو الذات المسمى الله وسموه أيضا الأب ، وأقنوم العلم وسموه أيضا الابن ، وهو الذي اتحد بعيسى وصار بذلك عيسى إلها ، وأقنوم الحياة وسموه الروح القدس . وصار جمهورهم ، ومنهم الركوسية طائفة من نصارى العرب ، يقولون : إنه لما اتحد
بمريم حين حملها بالكلمة تألهت
مريم أيضا ، ولذلك اختلفوا هل هي أم الكلمة أم هي أم الله .
فقوله ثالث ثلاثة معناه واحد من تلك الثلاثة ، لأن العرب تصوغ من اسم العدد من اثنين إلى عشرة صيغة فاعل مضافا إلى اسم العدد المشتق هو منه لإرادة أنه جزء من ذلك العدد نحو ثاني اثنين ، فإن أرادوا أن المشتق له وزن فاعل هو الذي أكمل العدد أضافوا وزن فاعل إلى اسم العدد الذي هو أرقى منه فقالوا : رابع ثلاثة ، أي جاعل الثلاثة أربعة .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وما من إله إلا إله واحد عطف على جملة لقد كفر لبيان الحق في الاعتقاد بعد ذكر الاعتقاد الباطل .
ويجوز جعل الجملة حالا من ضمير قالوا ، أي قالوا هذا القول في حال كونه مخالفا للواقع ، فيكون كالتعليل لكفرهم في قولهم ذلك ، ومعناه على الوجهين نفي عن الإله الحق أن يكون غير واحد فإن ( من ) لتأكيد عموم النفي فصار النفي بـ ( ما ) المقترنة بها مساويا للنفي بـ ( لا ) النافية للجنس في الدلالة على نفي الجنس نصا .
[ ص: 283 ] وعدل هنا عن النفي بلا التبرئة فلم يقل ولا إله إلا إله واحد إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وما من إله إلا إله واحد اهتماما بإبراز حرف ( من ) الدال بعد النفي على تحقيق النفي; فإن النفي بحرف ( لا ) ما أفاد نفي الجنس إلا بتقدير حرف ( من ) ، فلما قصدت زيادة الاهتمام بالنفي هنا جيء بحرف ( ما ) النافية وأظهر بعده حرف ( من ) . وهذا مما لم يتعرض إليه أحد من المفسرين .
وقوله إلا إله واحد يفيد حصر وصف الإلهية في واحد فانتفى التثليث المحكي عنهم . وأما تعيين هذا الواحد من هو ، فليس مقصودا تعيينه هنا لأن القصد إبطال عقيدة التثليث فإذا بطل التثليث وثبتت الوحدانية تعين أن هذا الواحد هو الله تعالى لأنه متفق على إلهيته ، فلما بطلت إلهية غيره معه تمحضت الإلهية له ، فيكون قوله هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وما من إله إلا إله واحد مساويا لقوله في سورة آل عمران
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وما من إله إلا إله ، إلا أن ذكر اسم الله تقدم هنا وتقدم قول المبطلين ( إنه ثالث ثلاثة ) فاستغني بإثبات الوحدانية عن تعيينه . ولهذا صرح بتعيين الإله الواحد في سورة آل عمران في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وما من إله إلا إله إذ المقام اقتضى تعيين انحصار الإلهية في الله تعالى دون عيسى ولم يجر فيه ذكر لتعدد الآلهة .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، أي لقد كفروا كفرا إن لم ينتهوا عنه أصابهم عذاب أليم . ومعنى عما يقولون أي عن قولهم المذكور آنفا وهو إن الله ثالث ثلاثة . وقد جاء بالمضارع لأنه المناسب للانتهاء إذ الانتهاء إنما يكون عن شيء مستمر كما ناسب قوله قالوا قوله لقد كفر . لأن الكفر حصل بقولهم ذلك ابتداء من الزمن الماضي .
ومعنى عما يقولون عما يعتقدون ، لأنهم لو انتهوا عن القول باللسان وأضمروا اعتقاده لما نفعهم ذلك ، فلما كان شأن القول لا يصدر إلا عن اعتقاد كان صالحا لأن يكون كناية عن الاعتقاد مع معناه الصريح .
وأكد الوعيد بلام القسم في قوله ليمسن ردا لاعتقادهم أنهم لا تمسهم النار ، لأن صلب
عيسى كان كفارة عن خطايا بني
آدم .
[ ص: 284 ] والمس مجاز في الإصابة ، لأن حقيقة المس وضع اليد على الجسم ، فاستعمل في الإصابة بجامع الاتصال ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=49والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون ، فهو دال على مطلق الإصابة من غير تقييد بشدة أو ضعف ، وإنما يرجع في الشدة أو الضعف إلى القرينة ، مثل " أليم " هنا ، ومثل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=49بما كانوا يفسقون في الآية الأخرى ، وقال
يزيد بن الحكم الكلابي من شعراء الحماسة :
مسسنا من الآباء شيئا وكـلـنـا إلى حسب في قومه غير واضع
أي تتبعنا أصول آبائنا .
والمراد بـ الذين كفروا عين المراد بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة فعدل عن التعبير عنهم بضميرهم إلى الصلة المقررة لمعنى كفرهم المذكور آنفا بقوله لقد كفر الذين قالوا إلخ ، لقصد تكرير تسجيل كفرهم وليكون اسم الموصول مومئا إلى سبب الحكم المخبر به عنه . وعلى هذا يكون قوله منهم للذين كفروا قصد منه الاحتراس عن أن يتوهم السامع أن هذا وعيد لكفار آخرين .
ولما توعدهم الله أعقب الوعيد بالترغيب في الهداية فقال أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه . فالتوبة هي الإقلاع عما هو عليه في المستقبل والرجوع إلى الاعتقاد الحق . والاستغفار طلب مغفرة ما سلف منهم في الماضي والندم عما فرط منهم من سوء الاعتقاد .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=74nindex.php?page=treesubj&link=28976_29694والله غفور رحيم تذييل بثناء على الله بأنه يغفر لمن تاب واستغفر ما سلف منه ، لأن غفور رحيم من أمثلة المبالغة يدلان على شدة الغفران وشدة الرحمة ، فهو وعد بأنهم إن تابوا واستغفروه رفع عنهم العذاب برحمته وصفح عما سلف منهم بغفرانه .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73nindex.php?page=treesubj&link=28976_29434_29706_29433لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=74أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
اسْتِئْنَافٌ قُصِدَ مِنْهُ الِانْتِقَالُ إِلَى إِبْطَالِ مَقَالَةٍ أُخْرَى مِنْ مَقَالَاتِ طَوَائِفِ
[ ص: 282 ] النَّصَارَى ، وَهِيَ مَقَالَةُ الْمَلْكَانِيَّةِ الْمُسَمَّيْنَ بِالْجَاثِلِيقِيَّةِ ، وَعَلَيْهَا مُعْظَمُ طَوَائِفِ
النَّصَارَى فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ فِيهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ يَجْمَعُ الرَّدَّ عَلَى طَوَائِفِ
النَّصَارَى كُلِّهِمْ . وَالْمُرَادُ بـِ قَالُوا اعْتَقَدُوا فَقَالُوا ، لِأَنَّ شَأْنَ الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ صَادِرًا عَنِ اعْتِقَادٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ .
وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ أَنَّ مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ أَنَّهُ اللَّهُ هُوَ مَجْمُوعُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ، وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلِاسْمِ هُوَ أَحَدُ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ . وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ قَدْ عَبَّرُوا عَنْهَا بِالْأَقَانِيمِ وَهِيَ : أُقْنُومُ الْوُجُودِ وَهُوَ الذَّاتُ الْمُسَمَّى اللَّهُ وَسَمَّوْهُ أَيْضًا الْأَبَ ، وَأُقْنُومُ الْعِلْمِ وَسَمَّوْهُ أَيْضًا الِابْنَ ، وَهُوَ الَّذِي اتَّحَدَ بِعِيسَى وَصَارَ بِذَلِكَ عِيسَى إِلَهًا ، وَأُقْنُومُ الْحَيَاةِ وَسَمَّوْهُ الرُّوحَ الْقُدُسَ . وَصَارَ جُمْهُورُهُمْ ، وَمِنْهُمُ الرَّكُوسِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ ، يَقُولُونَ : إِنَّهُ لَمَّا اتَّحَدَ
بِمَرْيَمَ حِينَ حَمْلِهَا بِالْكَلِمَةِ تَأَلَّهَتْ
مَرْيَمُ أَيْضًا ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ أُمُّ الْكَلِمَةِ أَمْ هِيَ أُمُّ اللَّهِ .
فَقَوْلُهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ مَعْنَاهُ وَاحِدٌ مِنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَصُوغُ مِنِ اسْمِ الْعَدَدِ مِنَ اثْنَيْنِ إِلَى عَشَرَةِ صِيغَةَ فَاعِلٍ مُضَافًا إِلَى اسْمِ الْعَدَدِ الْمُشْتَقِّ هُوَ مِنْهُ لِإِرَادَةِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ نَحْوَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ ، فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْمُشْتَقَّ لَهُ وَزْنُ فَاعِلٍ هُوَ الَّذِي أَكْمَلَ الْعَدَدَ أَضَافُوا وَزْنَ فَاعِلٍ إِلَى اسْمِ الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ أَرْقَى مِنْهُ فَقَالُوا : رَابِعُ ثَلَاثَةٍ ، أَيْ جَاعِلُ الثَّلَاثَةِ أَرْبَعَةً .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ لَقَدْ كَفَرَ لِبَيَانِ الْحَقِّ فِي الِاعْتِقَادِ بَعْدَ ذِكْرِ الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ .
وَيَجُوزُ جَعْلُ الْجُمْلَةِ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ قَالُوا ، أَيْ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْوَاقِعِ ، فَيَكُونُ كَالتَّعْلِيلِ لِكُفْرِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ ، وَمَعْنَاهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ نَفْيٌ عَنِ الْإِلَهِ الْحَقِّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاحِدٍ فَإِنَّ ( مِنْ ) لِتَأْكِيدِ عُمُومِ النَّفْيِ فَصَارَ النَّفْيُ بِـ ( مَا ) الْمُقْتَرِنَةِ بِهَا مُسَاوِيًا لِلنَّفْيِ بِـ ( لَا ) النَّافِيَةِ لِلْجِنْسِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِ الْجِنْسِ نَصًّا .
[ ص: 283 ] وَعَدَلَ هُنَا عَنِ النَّفْيِ بِلَا التَّبْرِئَةِ فَلَمْ يَقُلْ وَلَا إِلَهَ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ اهْتِمَامًا بِإِبْرَازِ حَرْفِ ( مِنْ ) الدَّالِّ بَعْدَ النَّفْيِ عَلَى تَحْقِيقِ النَّفْيِ; فَإِنَّ النَّفْيَ بِحَرْفِ ( لَا ) مَا أَفَادَ نَفْيَ الْجِنْسِ إِلَّا بِتَقْدِيرِ حَرْفِ ( مِنْ ) ، فَلَمَّا قُصِدَتْ زِيَادَةُ الِاهْتِمَامِ بِالنَّفْيِ هُنَا جِيءَ بِحَرْفِ ( مَا ) النَّافِيَةِ وَأَظْهَرَ بَعْدَهُ حَرْفَ ( مِنْ ) . وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَتَعَرَّضْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ .
وَقَوْلُهُ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ يُفِيدُ حَصْرَ وَصْفِ الْإِلَهِيَّةِ فِي وَاحِدٍ فَانْتَفَى التَّثْلِيثُ الْمَحْكِيُّ عَنْهُمْ . وَأَمَّا تَعْيِينُ هَذَا الْوَاحِدِ مَنْ هُوَ ، فَلَيْسَ مَقْصُودًا تَعْيِينُهُ هُنَا لِأَنَّ الْقَصْدَ إِبْطَالُ عَقِيدَةِ التَّثْلِيثِ فَإِذَا بَطَلَ التَّثْلِيثُ وَثَبَتَتِ الْوَحْدَانِيَّةُ تَعَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى إِلَهِيَّتِهِ ، فَلَمَّا بَطَلَتْ إِلَهِيَّةُ غَيْرِهِ مَعَهُ تَمَحَّضَتِ الْإِلَهِيَّةُ لَهُ ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ مُسَاوِيًا لِقَوْلِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ ، إِلَّا أَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ تَقَدَّمَ هُنَا وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْمُبْطِلِينَ ( إِنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ) فَاسْتُغْنِيَ بِإِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ عَنْ تَعْيِينِهِ . وَلِهَذَا صَرَّحَ بِتَعْيِينِ الْإِلَهِ الْوَاحِدِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ إِذِ الْمَقَامُ اقْتَضَى تَعْيِينَ انْحِصَارِ الْإِلَهِيَّةِ فِي اللَّهِ تَعَالَى دُونَ عِيسَى وَلَمْ يَجْرِ فِيهِ ذِكْرٌ لِتَعَدُّدِ الْآلِهَةِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ، أَيْ لَقَدْ كَفَرُوا كُفْرًا إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَنْهُ أَصَابَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَمَعْنَى عَمَّا يَقُولُونَ أَيْ عَنْ قَوْلِهِمُ الْمَذْكُورِ آنِفًا وَهُوَ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ . وَقَدْ جَاءَ بِالْمُضَارِعِ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلِانْتِهَاءِ إِذِ الِانْتِهَاءُ إِنَّمَا يَكُونُ عَنْ شَيْءٍ مُسْتَمِرٍّ كَمَا نَاسَبَ قَوْلُهُ قَالُوا قَوْلَهُ لَقَدْ كَفَرَ . لِأَنَّ الْكُفْرَ حَصَلَ بِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً مِنَ الزَّمَنِ الْمَاضِي .
وَمَعْنَى عَمَّا يَقُولُونَ عَمَّا يَعْتَقِدُونَ ، لِأَنَّهُمْ لَوِ انْتَهَوْا عَنِ الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَأَضْمَرُوا اعْتِقَادَهُ لَمَا نَفَعَهُمْ ذَلِكَ ، فَلَمَّا كَانَ شَأْنُ الْقَوْلِ لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنِ اعْتِقَادٍ كَانَ صَالِحًا لِأَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنِ الِاعْتِقَادِ مَعَ مَعْنَاهُ الصَّرِيحِ .
وَأَكَّدَ الْوَعِيدَ بِلَامِ الْقَسَمِ فِي قَوْلِهِ لَيَمَسَّنَّ رَدًّا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ لَا تَمَسُّهُمُ النَّارُ ، لِأَنَّ صَلْبَ
عِيسَى كَانَ كَفَّارَةً عَنْ خَطَايَا بَنِي
آدَمَ .
[ ص: 284 ] وَالْمَسُّ مَجَازٌ فِي الْإِصَابَةِ ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَسِّ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْجِسْمِ ، فَاسْتُعْمِلَ فِي الْإِصَابَةِ بِجَامِعِ الِاتِّصَالِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=49وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ، فَهُوَ دَالٌّ عَلَى مُطْلَقِ الْإِصَابَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشِدَّةٍ أَوْ ضَعْفٍ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الشِّدَّةِ أَوِ الضَّعْفِ إِلَى الْقَرِينَةِ ، مِثْلَ " أَلِيمٌ " هُنَا ، وَمِثْلَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=49بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى ، وَقَالَ
يَزِيدُ بْنُ الْحَكَمِ الْكِلَابِيُّ مِنْ شُعَرَاءِ الْحَمَاسَةِ :
مَسِسْنَا مِنَ الْآبَاءِ شَيْئًا وَكُـلُّـنَـا إِلَى حَسَبٍ فِي قَوْمِهِ غَيْرِ وَاضِعٍ
أَيْ تَتَبَّعْنَا أُصُولَ آبَائِنَا .
وَالْمُرَادُ بِـ الَّذِينَ كَفَرُوا عَيْنُ الْمُرَادِ بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَعَدَلَ عَنِ التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ بِضَمِيرِهِمْ إِلَى الصِّلَةِ الْمُقَرَّرَةِ لِمَعْنَى كُفْرِهِمُ الْمَذْكُورِ آنِفًا بِقَوْلِهِ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِلَخْ ، لِقَصْدِ تَكْرِيرِ تَسْجِيلِ كُفْرِهِمْ وَلِيَكُونَ اسْمُ الْمَوْصُولِ مُومِئًا إِلَى سَبَبِ الْحُكْمِ الْمُخْبَرِ بِهِ عَنْهُ . وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ مِنْهُمْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا قُصِدَ مِنْهُ الِاحْتِرَاسُ عَنْ أَنْ يَتَوَهَّمَ السَّامِعُ أَنَّ هَذَا وَعِيدٌ لِكُفَّارٍ آخَرِينَ .
وَلَمَّا تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ أَعْقَبَ الْوَعِيدَ بِالتَّرْغِيبِ فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ . فَالتَّوْبَةُ هِيَ الْإِقْلَاعُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالرُّجُوعُ إِلَى الِاعْتِقَادِ الْحَقِّ . وَالِاسْتِغْفَارُ طَلَبُ مَغْفِرَةِ مَا سَلَفَ مِنْهُمْ فِي الْمَاضِي وَالنَّدَمُ عَمَّا فَرَطَ مِنْهُمْ مِنْ سُوءِ الِاعْتِقَادِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=74nindex.php?page=treesubj&link=28976_29694وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ تَذْيِيلٌ بِثَنَاءٍ عَلَى اللَّهِ بِأَنَّهُ يَغْفِرُ لِمَنْ تَابَ وَاسْتَغْفَرَ مَا سَلَفَ مِنْهُ ، لِأَنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ يَدُلَّانِ عَلَى شِدَّةِ الْغُفْرَانِ وَشِدَّةِ الرَّحْمَةِ ، فَهُوَ وَعْدٌ بِأَنَّهُمْ إِنْ تَابُوا وَاسْتَغْفَرُوهُ رَفَعَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ بِرَحْمَتِهِ وَصَفَحَ عَمَّا سَلَفَ مِنْهُمْ بِغُفْرَانِهِ .