الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8061 ) مسألة ; قال ( ويجزئه إن أطعم خمسة مساكين ، وكسا خمسة ) وجملته أنه إذا أطعم بعض المساكين ، وكسا الباقين ، بحيث يستوفي العدد ، أجزأه ، في قول إمامنا ، والثوري ، وأصحاب الرأي . وقال الشافعي : لا يجزئه ; لقول الله - تعالى : { فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم } فوجه الدلالة من وجهين ; أحدهما : أنه جعل الكفارة أحد هذه الخصال الثلاثة ، ولم يأت بواحد منها .

                                                                                                                                            الثاني ، أن اقتصاره على هذه الخصال الثلاث دليل على انحصار التكفير فيها ، وما ذكرتموه خصلة رابعة ، ولأنه نوع من التكفير ، فلم يجزئه تبعيضه ، كالعتق ، ولأنه لفق الكفارة من نوعين ، فأشبه ما لو أعتق نصف عبد وأطعم خمسة أو كساهم .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه أخرج من المنصوص عليه بعده العدد الواجب ، فأجزأ كما لو أخرجه من جنس واحد ، ولأن كل واحد من النوعين يقوم مقام صاحبه في جميع العدد ، فقام مقامه في بعضه ، كالكفارتين ، وكالتيمم لما قام مقام الماء في البدن كله في الجنابة ، جاز في بعضه في طهارة الحدث ، فيما إذا كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا ، وفيما إذا وجد من الماء ما يكفي بعض بدنه ، ولأن معنى الطعام والكسوة متقارب ; إذ القصد منهما سد الخلة ، ودفع الحاجة ، وقد استويا في العدد ، واعتبار المسكنة في المدفوع إليه ، وتنوعهما من حيث كونهما في الإطعام سدا لجوعه .

                                                                                                                                            وفي الكسوة ستر العورة ، لا يمنع الإجزاء في الكفارة الملفقة منهما ، كما لو كان أحد الفقيرين محتاجا إلى ستر عورته ، والآخر إلى الاستدفاء ، ولأنه قد خرج [ ص: 21 ] عن عهدة الذين أطعمهم بالإطعام ، ويخرج عن عهدة الذين كساهم بالكسوة ; بدليل أنه لا يلزمه بالإنفاق أكثر من إطعام من بقي ، ولا كسوة أكثر ممن بقي ، وإذا خرج عن عهدة عشرة مساكين ، وجب أن يجزئه ، كما لو اتفق النوع .

                                                                                                                                            وأما الآية ، فإنها تدل بمعناها على ما ذكرناه ، فإنها دلت على أنه مخير في كل فقير بين أن يطعمه أو يكسوه ، وهذا يقتضي ما ذكرناه ، ويصير كما يخير في الصيد الحرمي بين أن يفديه بالنظير ، أو يقوم النظير بدراهم ، فيشتري بها طعاما يتصدق به ، أو يصوم عن كل مد يوما ، فلو صام عن بعض الأمداد ، وأطعم بعضا ، أجزأ كذلك هاهنا .

                                                                                                                                            وكذلك الدية ، لما كان مخيرا بين إخراج ألف دينار ، أو اثني عشر ألف درهم ، لو أعطى البعض ذهبا ، والبعض دراهم ، جاز . وفارق ما إذا أعتق نصف عبد . وأطعم خمسة أو كساهم ; لأن تنصيف العتق يخل بالآخر ; لما سنذكره بعد هذا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية