الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - ( مسألة ) : إذا علم بفعل ولم ينكره قادرا . فإن كان كمضي كافر إلى كنيسة - فلا أثر للسكوت اتفاقا ، وإلا دل على الجواز .

            وإن سبق تحريمه - فنسخ ، وإلا لزم ارتكاب محرم ، وهو باطل . فإن استبشر به - فأوضح .

            وتمسك الشافعي - رحمه الله - في القيافة بالاستبشار و ترك الإنكار لقول المدلجي ، وقد بدت له أقدام زيد وأسامة - رضي الله عنهما - : إن هذه الأقدام بعضها من بعض .

            وأورد : إن ترك الإنكار لموافقة الحق . [ ص: 503 ] والاستبشار بما يلزم الخصم على أصله ; لأن المنافقين تعرضوا لذلك . وأجيب بأن موافقة الحق لا تمنع إذا كان الطريق منكرا . وإلزام الخصم حصل بالقيافة فلا يصلح مانعا .

            التالي السابق


            ش - المسألة الثالثة في أن تقرير الرسول ، - عليه السلام - وهو ما فعل في حضرته ولم ينكره - هل هو حجة أم لا ، إذا علم الرسول - عليه السلام - بفعل صدر عن المكلف ولم ينكر الرسول - عليه السلام - ذلك الفعل ، وكان قادرا على إنكاره .

            فإن كان ذلك الفعل مما بين الرسول - عليه السلام - تحريمه ، ولم يتصور نسخه ، كمضي كافر إلى كنيسة ، فلا أثر لسكوت الرسول - عليه السلام - اتفاقا . أي عدم إنكار الرسول - عليه السلام - ذلك الفعل لا يدل على جوازه بالاتفاق . وإلا ، أي وإن لم يكن ذلك الفعل كمضي كافر إلى كنيسة ، نظر .

            فإن لم يسبق تحريم ذلك الفعل ، دل عدم إنكاره - عليه السلام - على جواز ذلك الفعل . وإن سبق تحريم ذلك الفعل ، يكون عدم إنكاره عليه نسخا لتحريم ذلك الفعل .

            [ ص: 504 ] وإلا ، أي وإن لم يدل عدم إنكاره على الجواز فيما إذا لم يسبق تحريمه ، وعلى النسخ فيما سبق تحريمه ، لزم أن يرتكب الرسول - عليه السلام - فعلا محرما ; لأن ترك إنكار ما هو محرم مع القدرة على الإنكار ، يكون حراما على الرسول ، - عليه السلام - . والتالي باطل ; لأن مثل هذا الحرام لا يجوز صدوره عن النبي .

            فإن استبشر الرسول - عليه السلام - بذلك الفعل مع عدم الإنكار ، كان استبشاره - عليه السلام - بذلك الفعل أوضح دليل على جواز ذلك الفعل . ولهذا تمسك الشافعي - رضي الله عنه - في جواز إثبات النسب بالقيافة باستبشار النبي - عليه السلام - ، - وترك إنكاره لقول المدلجي حيث نظر المدلجي إلى زيد وأسامة ، وهما تحت قطيفة ، وقد ظهرت للمدلجي أقدامهما ، فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض .

            فذكر قصته للنبي - عليه السلام - ، فاستبشر الرسول - عليه السلام - بقوله ولم ينكره . فلولا أن القيافة حقة ، يجوز إثبات النسب [ ص: 505 ] بها ، لما استبشر الرسول - عليه السلام - بقوله ، ولأنكره .

            وقد أورد القاضي أبو بكر على الشافعي - رضي الله عنه - أن ترك إنكار الرسول - عليه السلام - لقول المدلجي لا يدل على جواز إثبات النسب بالقيافة . وذلك لأن ترك الإنكار إنما كان لأن قول المدلجي موافق للحق ، وهو ظاهر الشرع المقتضي لثبوت النسب ، لا لأن النسب يثبت بالقيافة .

            واستبشار الرسول - عليه السلام - بقوله إنما هو لأجل إلزام الخصم بناء على أصله الذي هو القيافة ; لأن المنافقين تعرضوا لنسب أسامة ، فطعنوا فيه ، ولم يعتقدوا ثبوت نسبه بظاهر الشرع ، وكانوا [ يعتقدون ] بالقيافة في إثبات النسب .

            [ ص: 506 ] أجاب المصنف عنه بأن القيافة إذا لم تكن طريقا صالحا لثبوت النسب ، لم يجز للنبي - عليه السلام - ترك إنكارها ، وإن كانت موافقة للحق ، لأن موافقة الحق لا تمنع الإنكار إذا كان الطريق منكرا ; لأن ترك الإنكار يوهم حقية الطريق . وإلزام الخصم إنما حصل بالقيافة المتقررة عنده .

            وإنكار الرسول - عليه السلام - القيافة لا يرفع إلزام الخصم ; لأنه يمكن إلزام الخصم بالأصل الذي تقرر عنده ، وإن كان الملزم منكرا لذلك الأصل .

            وحينئذ لا يصلح الإلزام أن يكون مانعا من الإنكار . فلو كان منكرا لأنكره ولم يستبشره به ; لأن الاستبشار لا مدخل له في الإلزام ويوهم حقية القيافة .




            الخدمات العلمية