الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8073 ) مسألة ; قال : ( فإن لم ينو شيئا ، رجع إلى سبب اليمين وما هيجها ) وجملته أنه إذا عدمت النية ، نظرنا في سبب اليمين ، وما أثارها ; لدلالته على النية ، فإذا حلف لا يأوي مع امرأته في هذه الدار ، نظرنا ; فإن كان سبب يمينه غيظا من جهة الدار ، لضرر لحقه منها ، أو منة عليه بها ، اختصت بيمينه بها ، وإن كان لغيظ لحقه من المرأة يقتضي جفاءها ، ولا أثر للدار فيه ، تعلق ذلك بإيوائه معها في كل دار

                                                                                                                                            وكذلك إذا حلف لا يلبس ثوبا من غزلها ، إن كان سببه المنة عليه منها ، فكيفما انتفع به أو بثمنه حنث وإن كان سبب يمينه خشونة غزلها ورداءته لم يتعد بيمينه لبسه ، والخلاف في هذه المسألة كالخلاف في التي قبلها ، وقد دللنا على تعلق اليمين بما نواه ، والسبب دليل على النية ، فيتعلق اليمين به ، وقد ثبت أن كلام الشارع إذا كان خاصا في شيء لسبب عام ، تعدى إلى ما يوجد فيه السبب ، كتنصيصه على تحريم التفاضل في أعيان ستة ، أثبت الحكم في كل ما يوجد فيه معناها ، كذلك في كلام الآدمي مثله ، فأما إن كان اللفظ عاما والسبب خاصا ، مثل من دعي إلى غداء فحلف لا يتغدى ، أو حلف لا يقعد ، فإن كانت له نية فيمينه على ما نوى وإن لم تكن له نية فكلام أحمد يقتضي روايتين ; إحداهما ، أن اليمين محمولة على العموم ; لأن أحمد سئل عن رجل حلف أن لا يدخل بلدا ، لظلم رآه فيه ، فزال الظلم ؟ فقال : النذر يوفي به . يعني لا يدخله .

                                                                                                                                            ووجه ذلك أن لفظ الشارع إذا كان عاما ، لسبب خاص ، وجب الأخذ بعموم اللفظ دون خصوص السبب ، كذلك يمين الحالف . وذكر القاضي فيمن حلف على زوجته أو عبده أن لا يخرج إلا بإذنه ، فعتق العبد ، وطلق الزوجة ، وخرجا بغير إذنه ، لا يحنث ; لأن قرينة الحال تنقل حكم الكلام إلى نفسها ، وإنما يملك منع الزوجة والعبد مع ولايته عليهما ، فكأنه قال : ما دمتما في ملكي . ولأن السبب يدل على النية في الخصوص ، كدلالته عليها في العموم ولو نوى الخصوص لاختصت يمينه به ، فكذلك إذا وجد ما يدل عليها .

                                                                                                                                            ولو حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل ، أو حلف أن لا يرى منكرا إلا رفعه إلى فلان القاضي فعزل ، ففيه وجهان ، بناء على ما تقدم ; أحدهما : لا تنحل اليمين بعزله . قال القاضي : هذا قياس المذهب ; لأن اليمين إذا تعلقت بعين موصوفة ، تعلقت بالعين وإن تغيرت الصفة . وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي . والوجه الآخر ، تنحل اليمين بعزله . وهو مذهب أبي حنيفة ; لأنه لا يقال : رفعه إليه . إلا في حال ولايته . فعلى هذا إن رأى المنكر في ولايته ، فأمكنه رفعه فلم يرفعه إليه حتى عزل ، لم يبر برفعه إليه حال كونه معزولا . وهل يحنث بعزله ؟ فيه وجهان ; أحدهما ، يحنث ; لأنه قد فات رفعه إليه ، فأشبه ما لو مات .

                                                                                                                                            والثاني ، لا يحنث ; لأنه لم يتحقق فواته ، لاحتمال أن يلي فيرفعه إليه ، بخلاف ما إذا مات ، فإنه يحنث ; لأنه قد تحقق فواته ، وإذا مات قبل إمكان رفعه إليه ، حنث أيضا ; لأنه قد فات فأشبه ما لو حلف ليضربن عبده في غد ، [ ص: 26 ] فمات العبد اليوم ، ويحتمل أن يحنث ; لأنه لم يتمكن من فعل المحلوف عليه ، فأشبه المكره . وإن قلنا : لا تنحل يمينه بعزله . فرفعه إليه بعد عزله ، بر بذلك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية