الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا [160]

                                                                                                                                                                                                                                      فبظلم أي: بسبب ظلم عظيم، فالتنوين للتفخيم، وهو جامع لتفصيل نقض الميثاق وما عطف عليه مما استحلوه بعد أن حرمته التوراة.

                                                                                                                                                                                                                                      من الذين هادوا أي: تلبسوا باليهودية، وفيه تعظيم ظلمهم أيضا؛ إذ صدر عنهم بعدما ادعوا أنهم من أهل التوراة والرجوع إلى الحق.

                                                                                                                                                                                                                                      حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم قال ابن كثير : هذا التحريم قد يكون قدريا، بمعنى أنه تعالى قيضهم لأن تأولوا في كتابهم، وحرفوا وبدلوا أشياء كانت حلالا لهم، فحرموها على أنفسهم تضييقا وتنطعا. ويحتمل أن يكون شرعيا، بمعنى أنه تعالى حرم عليهم في التوراة أشياء كانت حلالا لهم قبل ذلك، كما قال تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنـزل التوراة قل فأتوا بالتوراة [آل عمران: 93]. أي: ما عدا ما كان حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة من لحوم الإبل وألبانها، ثم إنه تعالى حرم أشياء كثيرة في التوراة، كما قال في سورة الأنعام: [ ص: 1717 ] وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون [الأنعام: 146] أي: إنما حرمنا عليهم ذلك لطغيانهم ومخالفتهم رسولهم واختلافهم عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر ظلمهم ذكر مجامع من جزئياته بقوله تعالى: وبصدهم عن سبيل الله أي: الذي لا أوضح منه ولا أسهل ولا أعظم كثيرا أي: ناسا كثيرا، أو صدا كثيرا، فهم صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق، وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر وحديثه، ولهذا كانوا أعداء الرسل، وقتلوا خلقا من الأنبياء، وكفروا بعيسى ومحمد ، صلى الله عليهما وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية